سياسة
أخر الأخبار

الفساد العابر للحدود: من الجزائر إلى فرنسا… ممتلكات سرية وثروات مشبوهة لرجالات النظام الجزائري

في سياق يتسم بتصاعد الأزمة بين الجزائر وباريس، جاء هذا التحقيق الاستقصائي ليكشف المفارقة الصادمة بين الشعارات السياسية والممارسات الفعلية لرموز النظام الحاكم. الصحفي والكاتب المعروف محمد سيفاوي، المقيم في فرنسا، أنجز تحقيقا دقيقا ومفصلا لصالح موقع Rupture، استند فيه إلى وثائق رسمية وشهادات حصرية، كاشفا النقاب عن شبكات المصالح الخفية التي تربط عددا من كبار المسؤولين الجزائريين بعالم المال والعقارات في قلب العاصمة الفرنسية باريس وضواحيها.

يكشف سيفاوي في هذا العمل الصحفي كيف تستثمر نخب النظام الجزائري ثرواتها في فرنسا، البلد الذي لا يتوقفون عن مهاجمته في التصريحات الرسمية، بينما في الواقع، تُدار فيه أموالهم، وتُؤمن فيه مصالحهم، وتُحضر فيه حياة الرفاهية لأبنائهم. التحقيق لا يتوقف عند الوقائع، بل يطرح أسئلة جوهرية حول غياب الشفافية، وتواطؤ صامت من طرف السلطات الفرنسية، وحول مستقبل بلد يُدار كما لو كان شركة خاصة… بلا حساب ولا عقاب.

وليد صادي: وزير الرياضة ورئيس الاتحاد الكروي… بثروات في باريس

وليد صادي، الوزير الحالي للشباب والرياضة، ورئيس الاتحاد الجزائري لكرة القدم، وعضو اللجنة التنفيذية بالاتحاد الإفريقي، يُعد نموذجا صارخا لهذه الازدواجية. فالرجل المقرب من الرئيس عبد المجيد تبون، لا يخفي رهانه على فرنسا كأرض خصبة لمستقبل عائلته. إذ يمتلك شقتين في ضواحي باريس، وكان قد أسس شركة خاصة باسم Matexim سنة 2010، في الدائرة التاسعة بباريس، مختصة في تجارة الخشب ومواد البناء. ورغم شطب الشركة عام 2021، إلا أن الروابط المالية بينه وبين فرنسا لم تنقطع.

كما يمتلك الوزير حسابات مصرفية شخصية ومهنية بعدة بنوك فرنسية. وهنا يطرح السؤال: هل صرح صادي بهذه الحسابات لدى الهيئة الوطنية الجزائرية لمكافحة الفساد، كما تفرض القوانين؟ في ظل انعدام الشفافية، يبقى الجواب معلقا.

شريف رحماني: دبلوماسي الصحراء الذي “روى” استثماراته في فرنسا

أما شريف رحماني، الوالي الأسبق للعاصمة، سفير الامم المتحدة للأراضي الصحراوية والجافة ضمن الاتفاقية الاممية لمكافحة التصحر،، والرئيس الحالي لـ”مؤسسة صحارى العالم”، فقد عرف بشغفه الفاخر بالحياة الباريسية. المقرب هو الآخر من الرئيس تبون والمكلف من طرفه بإدارة دبلوماسية موازية مع فرنسا، استخدم نفوذه لتأسيس شركة مدنية عقارية (SCI MMFO) برأسمال 79,273 يورو، لإدارة ممتلكاته العقارية في فرنسا. وعلى الرغم من شطب الشركة عام 2017، فإن ممتلكاته لم تختفِ، بل نُقلت إدارتها إلى شركة أخرى باسم FO-MM.

رحماني يملك خمسة شقق في فرنسا، تتراوح من استوديوهات إلى شقق من أربع غرف، تُقدر قيمتها الإجمالية بـ10 ملايين يورو. ورغم أن مهمته الأممية هي مكافحة التصحر، إلا أنه بدا منشغلا أكثر بـ”سقي” محفظته العقارية في فرنسا.

تواطؤ فرنسي مقصود؟

مصدر أمني فرنسي كشف لـ”Rupture” أن رحماني أنشأ شركته العقارية لتغطية ممتلكاته الفعلية. وأضاف: “العديد من كبار المسؤولين الجزائريين يستخدمون هذه الطريقة منذ سنوات”.الوثائق تشير أيضا إلى أن السلطات الفرنسية تمتنع عمدا عن فتح أي تحقيقات ضد مسؤولي النظام الجزائري، في ما وصفه التقرير بـ”تواطؤ سياسي يسمح لفرنسا بامتلاك أوراق ضغط ضدهم”.

هاشمي جيار: من والي الجزائر إلى زبون فاخر لعيادات باريس

التحقيق أزاح الستار أيضا عن اسم آخر من الحقبة السابقة: هاشمي جيار، الوزير الأسبق ووالي الجزائر سابقا، وواحد من رموز النظام في عهد بوتفليقة، والذي يبدو أنه نجح في “إعادة التموقع” داخل دوائر الحكم الحالية. جيار، الذي يحمل جواز سفر دبلوماسي، يزور فرنسا بشكل متكرر لإجراء فحوصات طبية في أغلى العيادات الباريسية، كما يمتلك حسابا مصرفيا في فرنسا رغم صفته كموظف حكومي جزائري.

ذكريات الماضي تعود هنا، حيث كشف الصحفي الراحل محمد مقيدم، المستشار الإعلامي السابق للرئاسة، أن جيار تورط في فضيحة تفويت منطقة التوسعة السياحية لبورج الكيفان في أواخر الثمانينيات، حين حُولت المنطقة من مشروع “سان تروبيه الجزائري” إلى جنة للمضاربين العقاريين.

وفقا لمصادر التحقيق، تم تسليم جزء من الأموال في فندق بموناكو، معقل النخبة المترفة، وشملت العملية مبلغا ضخما قُدر بـ1.5 مليون فرنك فرنسي، أي ما يعادل أكثر من 220 ألف يورو آنذاك، لصالح مقيدم نفسه.

المال لا يموت… بل يهاجر

التحقيق خلُص إلى أن شبكات الإثراء غير المشروع في الجزائر لم تتغير رغم تغير الوجوه. فالوجوه تُعاد “تدويرها”، والفساد يستمر، والمال يُرحل، والحسابات تُفتح في فرنسا، بينما يُلقن الشعب خطابا معاديا للقوة الاستعمارية السابقة.

الرسالة واضحة: الجزائر الجديدة ليست إلا الجزائر القديمة بواجهة جديدة. نظام يروج للكراهية ضد فرنسا عند شعبه، لكنه لا يتوانى في مراكمة الثروات عندها.

هل يُعقل أن يمتلك مسؤولون جزائريون كل هذه الثروات دون رقابة؟ ولماذا لا تملك الجزائر منظومة حقيقية للشفافية والمحاسبة؟ وهل من جريمة في المطالبة بأن يكون المسؤول خاضعًا للمساءلة المالية؟

النظام يتفنن في الإنكار

التحقيق يشير إلى أن الرئيس عبد المجيد تبون نفسه لا يتحدث أبدا عن مفاهيم مثل “الشفافية”أو “المساءلة”، ويتهرب من أي مطالب تتعلق بكشف مصادر ثروات أقاربه والمقربين منه، سواء في فرنسا أو تركيا أو غيرهما.

في الختام، ربما حان الوقت لطرح السؤال الأكبر: هل الشفافية في الجزائر تهمة؟ إذا كان الجواب نعم، فنحن أمام جمهورية تحكم بمنطق المافيا.

مقالات ذات صلة