
عبر مشهد دبلوماسي إعلامي وثقافي يختزل عُمق الجوار وثراء التاريخ المشترك، تواصل العلاقات المغربية-الموريتانية ترسيخ حضورها متجاوزة الطابع الرسمي إلى شراكات استراتيجية متعددة الأبعاد، لعل أبرزها ما يتبلور في الحقل الثقافي والإعلامي، حيث تشكل الثقافة الحسانية، بروافدها المتعددة، القاسم المشترك الأبرز بين الشعبين الشقيقين.
في هذا السياق، شهدت العاصمة الموريتانية نواكشوط، خلال الأيام الأخيرة، أنشطة مكثفة لوفد إعلامي مغربي رفيع، يمثل النقابة الوطنية للصحافة المغربية ومرصد الصحراء للدبلوماسية الإعلامية والسلم والتنمية، في زيارة رسمية تمت بدعوة من نقابة الصحفيين الموريتانيين، وذلك في إطار تفعيل بنود اتفاقية الشراكة التي تربط المؤسستين الإعلاميتين الأكثر تمثيلية في البلدين.
الزيارة لم تكن مناسبة بروتوكولية فحسب، بل حملت في طياتها برنامجا غنيا بالنقاش والتكوين والتفاعل، تجسد في تنظيم دورة تكوينية لفائدة الصحفيين الموريتانيين حول موضوع “الذكاء الاصطناعي: المزايا والمخاطر”، تلتها ندوة علمية شارك في تأطيرها صحفيون وخبراء مغاربة وموريتانيون، بحضور مسؤولين حكوميين ونخبة من الإعلاميين، وهو ما يعكس حجم الرهان المشترك على تعزيز مهنية القطاع واستشراف تحدياته المستقبلية.
وعلى هامش هذه الأنشطة، أجرى الوفد المغربي، الذي ضم شخصيات إعلامية وازنة من بينها الدكتور حافظ محضار، عضو المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية للصحافة المغربية و رئيس مرصد الصحراء للدبلوماسية الإعلامية والسلم والتنمية والاستاذ محمد الطالبي، نائب رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية والدكتورة سلم لمباركي، عضو النقابة الوطنية للصحافة المغربية سلسلة من اللقاءات المثمرة مع مسؤولين موريتانيين سامين، على رأسهم وزير الثقافة والفنون والاتصال والعلاقات مع البرلمان، الناطق الرسمي باسم الحكومة، الحسين ولد مدو، الذي عبر عن اعتزازه بمستوى التعاون الإعلامي القائم، واستعرض جهود نواكشوط في تحديث الحقل الصحفي وتعزيز حرية التعبير في إطار من المسؤولية.
كما استُقبل الوفد من قبل لغظف ولد خي الأمين العام للسلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية، حيث جرى تبادل الرؤى حول آليات التنظيم والضبط الإعلامي، إضافة إلى زيارة مؤسسات إعلامية مرموقة كمقر وكالة الأنباء الموريتانية، والتلفزيون الرسمي، والإذاعة الوطنية، ما أتاح فرصة للإطلاع عن كثب على التجربة الموريتانية وتطور بنياتها الإعلامية.
وقد خص المدير العام لوكالة الأنباء الموريتانية الوزير السابق المختار جا ملل ، بدوره أعضاء الوفد الإعلامي المغربي باستقبال شكل فرصة لإبراز حضور هذه المؤسسة في المشهد الإعلامي الموريتاني وأدوارها الريادية .
كما استقبلت السيدة السنية منت سيدي هيبة، المديرة العامة للقناة الرسمية والوزيرة السابقة أعضاء الوفد الإعلامي المغربي بمقر تلفزيون الموريتانية، الذين اطلعوا على خدمات هذه المؤسسة والتطور الذي حققته على مستوى تحسين وتجويد المحتوى الإعلامي التلفزي بموريتانيا.
نفس التطور والدينامية تعرفها الإذاعة الموريتانية الرسمية التي تحدث مديرها العام الدكتور عبد القادر ولد اعلاده أثناء استقباله للوفد المغربي عن اتساع رقعة الحضور والتغطية بالبث ليشمل كل تراب الجمهورية الإسلامية المويتانية ، وهو الهدف الذي راهنت عليه هذه المؤسسة الاعلامية لتقريب الخبر والخدمة الإعلامية من كل أطياف الشعب الموريتاني .
هذه الزيارة، التي جسدت دبلوماسية ناعمة بطابع إعلامي ثقافي، حظيت بدعم ومتابعة من طرف حميد شبار سفير المملكة المغربية بنواكشوط، الذي استقبل أعضاء الوفد بمقر السفارة، مشيدا بأهمية المبادرات المشتركة في تعزيز روابط الإخاء والتعاون، ومعتبرا أن الإعلام يضطلع بدور محوري في مواكبة الطفرة النوعية التي تعرفها العلاقات المغربية-الموريتانية على كافة الأصعدة.
وتأتي هذه الدينامية المتجددة تتويجا لمسار طويل من التفاهم والتنسيق، تُوج بتوقيع سلسلة من الاتفاقيات بين النقابتين الشقيقتين ومرصد الصحراء للدبلوماسية الإعلامية والسلم والتنمية، منذ انخراطهم في شراكة استراتيجية تهدف إلى تقوية التكوين الإعلامي وتبادل الخبرات المهنية. وقد تم تتويج هذا المسار عبر المشاركة المتميزة لنقابة الصحفيين الموريتانيين كضيف شرف دائم في منتدى الصحراء المغربية الدولي للصحافة والإعلام، بكل من دورتيه 2022 بكلميم و2024 بالطنطان، في إشارة رمزية وواقعية إلى عمق التشابك الثقافي بين ضفتي الصحراء الكبرى.
إن ما يجمع المغرب وموريتانيا ليس فقط حدودا جغرافية أو مصالح سياسية، بل إرثا حضاريا وروحا ثقافية موحدة تنبض بلسان حساني مشترك، وشبكة من العادات والتقاليد التي تؤكد أن شعبي البلدين تربطهما صلات تاريخية متجذرة تتجاوز التقسيمات الحديثة. ومن هنا، يكتسب التعاون في المجال الإعلامي والثقافي بعدا استراتيجيا، لأنه لا يكتفي بنقل المعلومة، بل يبني جسور الوعي ويؤسس لثقافة التقارب لا التباعد.
وفي زمن التحولات الإقليمية والدولية، تبرز الحاجة إلى مثل هذه المبادرات التي تحصن المنطقة من التفكك، وتؤكد أن الرهان الحقيقي هو على وحدة النسيج الثقافي والاجتماعي كمدخل لتحقيق الأمن والتنمية والاستقرار. وبين المغرب وموريتانيا، تبدو هذه الوحدة أقرب من أي وقت مضى، تسندها أصوات الإعلاميين، وتغنيها الثقافة الحسانية، وتباركها إرادة سياسية واضحة من الجانبين.