
مرة أخرى، أكدت الصين عبر منتدى التعاون الصيني-الإفريقي المنعقد يوم 11 يونيو بمدينة تشانغشا، موقفها الثابت من احترام سيادة الدول ووحدة أراضيها، من خلال إقصاء كلي وصريح لما يسمى بـ”الجمهورية الصحراوية”. هذا الإقصاء، الذي يشكل صفعة مدوية للنظام الجزائري الراعي والداعم للحركة الانفصالية، يتكرر في كل دورة من هذا المنتدى القاري، ويعكس تحولا عميقا في توازنات المواقف الدولية، ويؤشر على تقارب صيني-مغربي قد يتطور نحو دعم مباشر لمغربية الصحراء، استنادا إلى منطق السيادة والشرعية الدولية.
فكما جرت العادة، لم توجه الصين أي دعوة لهذا الكيان الانفصالي غير المعترف به من قبل الأمم المتحدة ولا من قبل أي قوة اقتصادية فاعلة على الساحة الدولية رغم المحاولات الفاشلة لدبلوماسية العسكر في إقناع القادة الصينيين. وهو موقف ينسجم تماما مع فلسفة “الصين الواحدة”، ويُعبر بوضوح عن أن بكين لا تعترف إلا بالدول ذات السيادة الكاملة، الأمر الذي يُسقط الادعاءات المتكررة حول “مكانة” البوليساريو في الشراكات الإفريقية.
هذا الثبات في الموقف الصيني لا يمكن فصله عن عمق العلاقات التاريخية التي تجمع المغرب بالصين، والتي تعود إلى أوائل ستينيات القرن الماضي، وتطورت عبر عقود إلى شراكة استراتيجية متعددة الأبعاد، تُوجت بتوقيع اتفاقية “مبادرة الحزام والطريق”سنة 2017، وجعلت المغرب جسرا استراتيجيا للصين نحو إفريقيا وأوروبا.
وتتجلى قوة هذه العلاقات في التدفق المتزايد للاستثمارات الصينية نحو المغرب، خاصة في المجالات ذات القيمة المضافة العالية. فقد تحولت المملكة خلال السنوات الأخيرة إلى وجهة مفضلة للشركات الصينية الكبرى، خصوصا في قطاع صناعة السيارات، حيث أُنشئت مصانع متطورة لتجميع المركبات وإنتاج البطاريات الكهربائية في مدن صناعية مثل طنجة والقنيطرة، بشراكات مع علامات تجارية عالمية، بعضها صيني بالكامل.
ولا يُنظر إلى هذه الاستثمارات على أنها اقتصادية محضة، بل تحمل أبعادا سياسية واضحة، تُترجم رغبة بكين في ترسيخ حضورها في شمال إفريقيا عبر دولة مستقرة وذات رؤية اقتصادية طموحة كالمغرب. وهي، في الوقت ذاته، رسالة ضمنية بأن الصين تُراهن على شركاء حقيقيين، لا على كيانات وهمية تفتقر لأي سند قانوني أو اقتصادي.
إن إقصاء ما يسمى بـ”الجمهورية الصحراوية” من المنتدى الصيني-الإفريقي، في ظل هذا الزخم الاقتصادي والدبلوماسي بين الرباط وبكين، ليس فقط موقفا تقنيا، بل إعلانا سياسيا ضمنيا بأن مستقبل إفريقيا، في نظر الصين، يمر عبر دول ذات سيادة كاملة وشرعية دولية، مثل المغرب. وهو ما يُعزز فرضية أن الصين، مدفوعة بمنطق براغماتي وعلاقات استراتيجية متنامية، قد تتحول قريبا إلى داعم صريح لمغربية الصحراء، في إطار فهم مشترك لمبدأ “الوحدة الترابية” الذي يوحد البلدين.