تقرير الأمين العام للأمم المتحدة حول الصحراء: اعتراف بمكاسب المغرب المتزايدة وتقليل غير مفهوم من خطورة هجمات البوليساريو على المدنيين

يؤكد التقرير الأخير للأمين العام للأمم المتحدة حول الصحراء، الصادر في 30 سبتمبر 2025، أن المغرب يواصل ترسيخ مكاسب استراتيجية ودبلوماسية وتنموية لافتة في أقاليمه الجنوبية، في مقابل استمرار جمود خصومه وتراجع قدرتهم على التأثير في مسار الملف داخل الأمم المتحدة. غير أن القراءة المتأنية للتقرير تكشف أيضا عن اختلال واضح في مقاربته الأمنية، إذ لم يُنصَف المغرب حين تجاهل الامين العام في تقريره إدانة هجمات جبهة البوليساريو التي استهدفت مناطق مدنية غرب الجدار.
التقرير، على أهميته، يثير علامات استفهام حول حياد الأمم المتحدة حين يتعلق الأمر بتصرفات جبهة البوليساريو العدوانية
على الصعيد السياسي، يرصد التقرير تحولا نوعيا في مواقف عدد من القوى الكبرى. ففي الفقرة 8، يؤكد أن الولايات المتحدة الأمريكية جددت اعترافها بسيادة المغرب على الصحراء في 8 أبريل 2025، معتبرة مبادرة الحكم الذاتي الإطار الوحيد للحل وداعية إلى الانخراط فيه دون تأخير. وفي الفقرة 9، يسجل الموقف البريطاني المماثل، حيث أعلنت لندن في بيان مشترك مع الرباط أن المبادرة المغربية هي “الأكثر مصداقية وواقعية وبراغماتية”. هذا التراكم الدبلوماسي يعزز مكانة المقترح المغربي كمرجعية وحيدة ذات مصداقية في أروقة الأمم المتحدة، ويزيد من عزلة الطرح الانفصالي الذي لم يعد يحظى بأي زخم دولي حقيقي.
أما ميدانيا وتنمويا، فيبرز التقرير، في الفقرة 10، رسالة المغرب إلى الأمم المتحدة التي تعرض تفاصيل واسعة حول مشاريع التنمية في الأقاليم الجنوبية، من تحسين البنيات التحتية إلى توسيع شبكات الماء والكهرباء والخدمات الأساسية. كما يسجل ارتفاعا في عدد السكان من 450 ألفا سنة 2014 إلى 600 ألف سنة بحسب إحصاء وطني أجرته السلطات المغربية في سبتمبر 2024، ما يعكس دينامية سوسيواقتصادية حقيقية. وفي الفقرة 23، يلفت التقرير الانتباه إلى إنجاز طريق جديد بطول 93 كيلومترا يربط السمارة بالحدود الموريتانية، وهو مشروع استراتيجي يعزز الربط القاري للمملكة ويعكس تعامل المغرب مع الصحراء باعتبارها جزءا لا يتجزأ من نسيجه الوطني التنموي.
دبلوماسيا، يُبرز التقرير، في الفقرات 24 إلى 35، أن المغرب هو الطرف الوحيد الذي يتحرك برؤية واضحة، في وقت تكتفي فيه الجزائر بدور “الملاحظ غير الطرف” (الفقرة 28) وتتمسك جبهة البوليساريو بخطاب متجاوز (الفقرتان 27 و31) دون أي مبادرة سياسية جدية. المبعوث الشخصي ستافان دي ميستورا أجرى مشاورات مكثفة مع جميع الأطراف، لكن الجزائر ظلت جامدة، والجبهة الانفصالية عاجزة عن طرح أي تصور واقعي، مما يعزز الصورة المتزايدة لمغرب قوي وفاعل مقابل خصوم مرتبكين ومعزولين.
على المستوى الأمني، يقدم التقرير، في الفقرات 13 إلى 22، صورة واضحة عن الوضع الميداني: المغرب يفرض الاستقرار غرب الجدار الأمني، بينما تتحرك البوليساريو شرق الجدار في مناطق نائية لا تأثير استراتيجي لها. ويورد التقرير، في الفقرة 17، أن الجبهة أطلقت أربعة صواريخ في 27 يونيو 2025 سقط أحدها على بعد 200 متر فقط من موقع المينورسو في السمارة، وهو أخطر هجوم منذ استئناف الأعمال العدائية سنة 2020. ومع ذلك، يكتفي الأمين العام، في الفقرة 18، بالتعبير عن “القلق”، من دون إدانة صريحة لهذا الهجوم الصاروخي على منطقة مدنية. الأسوأ أن البوليساريو رفضت السماح للمينورسو بالتحقيق فيما تدعيه انها تعرضت لتسع ضربات بطائرات مسيرة شرق الجدار (الفقرة 21)، ما يعكس عدم وجود نية للتعاون مع الأمم المتحدة من قبل البوليساريو. هذا التجاهل الأممي لممارسات الجبهة يمثل اختلالا جوهريا في التقرير، لأنه يغض الطرف عن أفعال مسلحة تستهدف المدنيين ويكتفي بتسجيلها بحياد بارد، في حين أن المغرب يتعاون ميدانيا مع المينورسو ويقدم التسهيلات اللازمة لعملها (الفقرة 42) والتي جاء فيها ما يلي:
–خلال فترة التقرير، واصلت المينورسو تعزيز التنسيق والتعاون مع الجيش الملكي المغربي.
فقد أجرت أربع زيارات إلى مقر المنطقة الجنوبية للجيش في أكادير في نوفمبر 2024، فبراير ومايو 2025.
وعلى المستوى العملي، عقد المكون العسكري للبعثة خمسة اجتماعات مع نظرائه من الجيش المغربي: اجتماع واحد في العيون (فبراير)، اجتماعين في الداخلة (أكتوبر 2024 وفبراير 2025)، واثنين في كلميم (نوفمبر 2024 وفبراير 2025
اما الفقرة 43 فقد جاء فيها مايلي:
لم يتمكن قائد قوة المينورسو من إقامة اتصال مباشر مع القيادة العسكرية لجبهة البوليساريو، ولا تزال جميع الاتصالات تجرى عبر المراسلات المكتوبة.
وعلى مستوى مواقع الفرق شرق الجدار وفي الرابوني قرب تندوف (الجزائر)، استمرت اللقاءات الشخصية مع ضباط الارتباط التابعين للجبهة.
وعُقدت سبعة اجتماعات تنسيقية بين قادة مواقع المينورسو وقادة المناطق العسكرية الإقليمية ونوابهم في الجبهة شرق الجدار.
التقرير لا يغفل أيضا الجوانب المالية، إذ يعترف، في الفقرات 76 إلى 79، بوجود عجز متزايد في تمويل البعثة. فقد اعتمدت الجمعية العامة مبلغ 70.7 مليون دولار لتغطية ميزانيتها السنوية، من بينها 0.5 مليون دولار مساهمة عينية طوعية، بينما بلغت المساهمات غير المسددة 64.9 مليون دولار في حساب المينورسو. ويقر الأمين العام أن هذا العجز بدأ يؤثر بشكل واضح على قدرة البعثة على تنفيذ ولايتها والحفاظ على انتشارها. هذه الأرقام تكشف أن التحديات اللوجستية لا علاقة لها بالمغرب، بل بأزمة تمويلية أممية داخلية.
وفي ملاحظاته الختامية، يدعو الأمين العام، في الفقرة 81، الأطراف إلى الانخراط في مسار سياسي واقعي ودائم ومقبول للطرفين، ويدعو البوليساريو إلى رفع القيود المفروضة على تحركات المينورسو (الفقرة 84). هذه الدعوات تنسجم مع الطرح المغربي الذي يدعمه المجتمع الدولي، لكنها لا تُخفي المفارقة الواضحة: الأمم المتحدة تدرك من هو الطرف المسؤول عن عرقلة حرية البعثة لكنها تتجنب إدانته بشكل مباشر، كما تتجاهل خطورة استهداف المدنيين بالصواريخ شرق الجدار.
وبخصوص العلاقات بين الجزائر والمغرب قال الامين العام للامم المتحدة في تقريره النقطة 83 ما يلي:
“للدول المجاورة دور حاسم في تحقيق حل لقضية الصحراء الغربية، وهو ما سيكون مفيدا أيضا لأمنها وآفاق تنميتها.
وما زلت أعرب عن أسفي لعدم حدوث أي تحسن ملموس في العلاقات بين الجزائر والمغرب، وأشجعهما على تجديد جهودهما لتعزيز التعاون الإقليمي”
في المحصلة، يؤكد تقرير الأمين العام لسنة 2025 أن المغرب يراكم مكاسب دبلوماسية وميدانية وتنموية كبيرة، في وقت يزداد فيه جمود الجزائر والبوليساريو وعزلتهما الدولية. لكنه في المقابل يكشف أيضا أن الأمم المتحدة، رغم إدراكها للواقع على الأرض، لا تزال تميل إلى لغة رمادية وغير حازمة في مواجهة الهجمات العدوانية للبوليساريو. وهذا أحد مكامن القصور التي يجب الاشارة اليها، حتى لا تتحول التقارير الأممية إلى وثائق تقنية محايدة تغفل حقيقة من يهدد السلم المدني فعليا في المنطقة.