
في خطوة تعكس حالة الارتباك والقلق العميق لدى جبهة البوليساريو ومن ورائها النظام الجزائري، حمل رئيس ما يُسمى بـ”المجلس الوطني الصحراوي”، حمه سلامه، رسالة استعطاف إلى رئيس الجمهورية الموريتانية محمد ولد الشيخ الغزواني، آملا في تطمينات لم تعد تُصرف في أسواق الجغرافيا السياسية.
اللقاء الذي جرى صباح امس الجمعة في القصر الرئاسي بنواكشوط، بدا كمحاولة يائسة للنفخ في رماد ما تبقى من أوهام “الحياد الإيجابي”، بعد أن تناهت إلى أسماع صناع القرار في الرابوني والمرادية معلومات مؤكدة عن تحول جذري في المزاج الموريتاني، خصوصا بعد تقارير موثوقة تحدثت عن قيام الجيش الموريتاني بإغلاق بعض المسالك غير الشرعية التي كانت تستغلها مليشيات البوليساريو للتنقل عبر التراب الموريتاني، هربا من مطاردات القوات المسلحة الملكية المغربية، أو تسللا نحو المنطقة العازلة جنوب الصحراء المغربية.
رسالة من “رئيس” إلى رئيس… أم من مرتزق إلى منقذ؟
اللافت في هذا التحرك هو توقيته المريب، إذ يأتي بعد تعزيزات متتالية في العلاقات الاستراتيجية بين نواكشوط والرباط، سواء على الصعيد الاقتصادي أو الأمني. الرسالة التي حملها مبعوث بن بطوش او بالأحرى مرسول عسكرDz ليست سوى محاولة بائسة لفرملة هذا التقارب المتسارع، ومحاولة يائسة لإبقاء موريتانيا في خانة “الحلقة الأضعف” حسب منظور النظام الجزائري في ميزان الصراع المفتعل حول الصحراء المغربية.
لكن الحقيقة التي يحاول الإعلام الجزائري طمسها، أن موريتانيا اليوم ليست هي موريتانيا الأمس. موريتانيا اليوم تعرف جيدا من يحترم سيادتها ويعاملها كدولة، ومن يستخدم أراضيها كمعبر للتهريب والانفلات الأمني. البوليساريو، لم تكن يوما شريكا أمنيا يُعتد به، بل مجرد عبء متحرك وورقة بالية في ملف جيوسياسي تديره الجزائر بانتهازية فجة والأشقاء في موريتانيا لم ولن ينسوا غدر البوليساريو ومن وراءهم النظام الجزائري في سبعينيات القرن الماضي .
الجزائر… القلق من نواكشوط!
ما يُثير السخرية في هذه الزيارة، أنها تكشف مخاوف النظام الجزائري الذي طالما اعتبر موريتانيا “الخاصرة الرخوة” التي يمكن تمرير صفقاته ومليشياته عبرها. لكن الوقائع على الأرض باتت مختلفة: موريتانيا تطمئن للمغرب، تنفتح عليه اقتصاديا، وتُنسق معه أمنيا، وتراقب بعيون يقظة كل من يحاول اللعب على حبال “المنطقة العازلة”.
والأهم، أن هذه الدولة الهادئة باتت تعرف اليوم أن الاستقرار يمر عبر الانخراط في تحالفات نزيهة، وليس عبر مجاملة دويلة وهمية لا سيادة لها ولا حدود.
تهنئة سيدي ولد التاه… أم رشوة معنوية؟
التهنئة التي نقلها حمة سلامه بمناسبة فوز مرشح موريتانيا، سيدي ولد التاه، برئاسة البنك الإفريقي للتنمية، لم تكن سوى محاولة مكشوفة لتليين موقف رئاسي بات أقرب للمغرب من أي وقت مضى. من يهنئ اليوم موريتانيا هو نفسه من اعتدى على سيادتها بالأمس، وهو نفسه من ينقل الأسلحة والمسلحين عبر حدودها.
فمن يخدع من؟ وهل يعتقد قادة البوليساريو أن غزواني لا يدرك خفايا اللعبة، ولا يفرق بين التضامن الحقيقي والتضليل السياسي؟
الواقع تغير… والصحراء لن تكون إلا مغربية
اليوم، بات واضحا أن موريتانيا تعي جيدا أن مصلحتها الاستراتيجية تكمن في الانخراط ضمن محور الاستقرار، بقيادة المغرب، لا في التورط في أجندات مشبوهة تمولها الجزائر التي تحكمها طغمة عسكرية لا تمتلك رؤية، وتنفذها جماعة مسلحة لا مستقبل لها.
رسالة البوليساريو هذه، ليست أكثر من صرخة في واد جاف، ومهما حاول عسكرDz تحريك بيدقه على ارض موريتانيا، فإن الواقع الجديد يُكتب من الرباط ونواكشوط… لا من الرابوني ولا من المرادية.