
في خطوة تاريخية ومثيرة ستدفع لاعادة تشكيل الخريطة السياسية والدبلوماسية في جنوب إفريقيا، أعلن حزب “أومكونتو وي سيزوي” MK (رمح الأمة) بقيادة الرئيس السابق جاكوب زوما دعمه الصريح لحقوق المغرب التاريخية في الصحراء، في تحد واضح للموقف التقليدي لحزب المؤتمر الوطني الإفريقي (ANC)، الشريك الرئيسي في الائتلاف الحاكم.
الوثيقة التي نشرها حزب MK على موقعه الرسمي تحت عنوان: “شراكة استراتيجية من أجل الوحدة الإفريقية والتحرر الاقتصادي والسلامة الإقليمية: المغرب”، تُمثل تحولا نوعيا في الخطاب السياسي الجنوب إفريقي، إذ تؤكد بوضوح أن الصحراء “كانت ولا تزال جزءا لا يتجزأ من التراب المغربي”، مستندة إلى مبادئ “السيادة، تقرير المصير، وحدة الشعوب الإفريقية وتحريرها من الاستعمار”.
حزب MK، الذي أسسه الراحل نيلسون مانديلا سنة 1961، يشكل ثالث أكبر قوة سياسية في البرلمان والحزب المعارضالاول حاليا (58 مقعد)، وهو من أبرز الكيانات الجديدة التي صعدت بعد انشقاقها عن حزب المؤتمر الوطني الإفريقي ANC.
دعم غير مسبوق للحقوق التاريخية للمغرب
ويُعَد هذا الموقف أول اعتراف من حزب جنوب إفريقي بارز بشرعية المطالب التاريخية للمملكة المغربية في الصحراء، ويدعو إلى توثيق العلاقات السياسية والاقتصادية مع الرباط، مستشهدا بالدعم العسكري والمالي الذي قدمه المغرب لحركة التحرر الجنوب إفريقية منذ ستينيات القرن الماضي، وخاصة للجناح المسلح لحزب المؤتمر الوطني “أومكونتو وي سيزوي”.
الوثيقة تُبرز تقاطع المسارات النضالية بين جنوب إفريقيا والمغرب ضد الاستعمار، وتُسلط الضوء على “الدور المحوري” للمملكة المغربية في دعم نضال الجنوب إفريقي ضد نظام الفصل العنصري، مما يمنح هذا التحول السياسي بعدا أخلاقيا وتاريخيا يتجاوز الحسابات التكتيكية.
زلزال سياسي داخل حزب المؤتمر الوطني
الموقف الجديد أثار صدمة داخل أروقة حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، الذي ظل لعقود يصف الموقف المغربي من الصحراء بـ “الاستعمار الجديد”، ويُؤيد ما يسميه بـ “حق تقرير المصير للشعب الصحراوي” عبر استفتاء ترعاه الأمم المتحدة.
مصادر داخل الحزب أكدت أن الوثيقة التي نشرها حزب MK أثارت حالة من الغضب والانقسام بين قادة الحزب الحاكم، خصوصا وأنها جاءت قبل أيام فقط من مثول القيادي أوبيد بابيلا أمام لجنة تأديبية بعد زيارته المثيرة للجدل إلى المغرب. ومع أن بابيلا أصر على أن الزيارة كانت شخصية، إلا أن قيادات الحزب رأت فيها “خروجا عن الموقف الرسمي”.
تأثير التحول البريطاني على القرار الإفريقي
التحول في موقف حزب MK لا يمكن عزله عن التطورات الجيوسياسية الأخيرة، خصوصا بعد إعلان وزير الخارجية البريطاني الجديد، ديفيد لامي، دعم بلاده لخطة الحكم الذاتي المغربية كحل جدي وواقعي للنزاع حول الصحراء، خلال زيارته الرسمية للرباط في يونيو الجاري.
ويبدو أن هذا الموقف البريطاني – الذي يأتي بعد مواقف مماثلة من الولايات المتحدة وإسبانيا وفرنسا قد شكل ضغطا غير مباشر على مكونات المشهد السياسي الجنوب إفريقي، خاصة تلك التي بدأت تُراجع مواقفها في ضوء التحولات الدولية المتسارعة.
نهاية الاحتكار السياسي للملف؟
محللون يرون أن تبني حزب MK لهذا الموقف يُمثل كسرا لاحتكار حزب المؤتمر الوطني لملف السياسة الخارجية، ويمهد لنقاش وطني أوسع حول علاقة جنوب إفريقيا بالقضايا الإفريقية الكبرى. كما قد يُعيد فتح ملف العلاقات مع المغرب، التي توترت في السنوات الأخيرة بسبب الخلاف حول قضية الصحراء.
ويُنتظر أن يُحدث هذا التحول ضغوطا متزايدة على الحكومة الجنوب إفريقية لإعادة النظر في تموضعها الإقليمي، خصوصا في ظل تزايد عدد الدول الإفريقية التي تدعم الوحدة الترابية للمغرب وتفتح قنصليات لها في الصحراء.
تصحيح لموقف ظل متناقضا مع مبادىء النضال
في لحظة تعيد فيها إفريقيا رسم تحالفاتها الإقليمية والدولية، يُجسّد موقف حزب زوما بشأن الصحراء المغربية بداية تحول عميق داخل الخطاب السياسي الجنوب إفريقي، لا سيما في ظل اتساع دائرة الاعتراف الدولي بمشروعية الموقف المغربي. ومع دخول حزب MK إلى المشهد البرلماني كقوة وازنة، لم يعد بالإمكان احتكار الموقف الرسمي أو تجاهل المعطيات التاريخية التي تربط جنوب إفريقيا بالمغرب.
واليوم، يبدو أن جنوب إفريقيا بدأت تُدرك أن حفاظها على مكانتها كرمز عالمي للنضال ضد الاستعمار، لا يمر فقط عبر الشعارات، بل يتطلب تصحيح المواقف، ومراجعة علاقاتها مع دول دعمت نضالها منذ البداية، وفي مقدمتها المغرب. فبلد آمن بعدالة القضية الجنوب إفريقية في عز عزلتها الدولية، وقدم لها الدعم المالي والعسكري أيام الشدة، لا يمكن تجاهله أو التشكيك في شرعية وحدته الترابية وان استمرار موقف البلد الأفريقي المناوىء لوحدة المغرب يشكل السقوط في تناقض أخلاقي صارخ.
إن تصحيح المسار ليس ضعفا، بل هو عودة إلى الجذور… وإحياء لتحالفات نضالية شكلت يوما ما جوهر الكفاح التحرري في القارة الإفريقية.