سياسة
أخر الأخبار

صحيفة دايلي تليغراف تضع البوليساريو في مرمى التصنيف الإرهابي: هل تحذو بريطانيا حذو واشنطن؟

هو تطور لافت يُنذر بإعادة رسم ملامح المواقف الغربية من قضية الصحراء المغربية، نشرت صحيفة ديلي تلغراف البريطانية مقالا تحليليا للخبير الأمني روبرت كلارك (باحث في معهد يوركتاون بواشنطن العاصمة، وخدم سابقا في الجيش البريطاني) دعا فيه حكومة المملكة المتحدة إلى تصنيف جبهة البوليساريو كـ”منظمة إرهابية”، على غرار ما بدأ يتبلور في أروقة الكونغرس الأمريكي من تحركات مماثلة.

هذه الدعوة الصريحة، الصادرة عن شخصية ذات خلفية عسكرية وبحثية مرموقة، تأتي في ظرف جيوسياسي بالغ الدقة، تشهد فيه المنطقة تحولات كبرى في أعقاب الحرب الإيرانية-الإسرائيلية الأخيرة، وما نتج عنها من تفكك نسبي لقدرات طهران التقليدية، وعودة رهانها القديم على شبكة الميليشيات والمرتزقة لزعزعة استقرار خصومها الإقليميين.

من “حركة تحرر” إلى ذراع عابرة للحدود

في مقاله، رسم كلارك صورة قاتمة لتحول البوليساريو من مجرد “حركة انفصالية” في نظر بعض العواصم الغربية، إلى ما وصفه بـ”ميليشيا ماركسية تتغذى على الدعم الإيراني واللوجستي من حزب الله”، وتتبنى خطابا أيديولوجيا متماهيا مع “محور المقاومة” الممتد من طهران إلى جنوب لبنان مرورا بصنعاء.

ووصف كاتب المقال بصحيفة دايلي تلغراف جبهة البوليساريو بالمنظمة الارهابية التي تشن هجمات ضد المغرب تحت شعار “التحرر” من أجل “الصحراء الغربية” المتنازع عليها.

واشار الكاتب إلى أن زعيم الجبهة ابراهيم غالي عبر أيضا عن تطلعه لتوحيد “جبهات المقاومة” من الشرق الأوسط حتى شمال إفريقيا، واضعا بذلك الصحراء المغربية ضمن امتداد مشروع الفوضى الذي تقوده إيران عبر وكلائها.

التحذيرات لم تعد محصورة في النظريات. فقبل أيام، نفذت عناصر البوليساريو هجوما استهدف مدنيين قرب مخيم للأمم المتحدة في مدينة السمارة بالصحراء المغربية، مستخدمة صواريخ تم تهريبها من إيران، وفق ما كشفته أجهزة استخبارات غربية. كما أُحبط مخطط لاستهداف مكتب الاتصال الإسرائيلي في الرباط، في مؤشر على أن نشاط الجبهة لم يعد يستهدف فقط المغرب، بل يمتد إلى مصالح حلفائه.

دعم بريطاني لمبادرة الحكم الذاتي… هل يتبعه تصنيف أمني؟

منذ إعلان لندن دعمها الرسمي لمبادرة الحكم الذاتي التي تقترحها الرباط لحل النزاع المفتعل حول الصحراء، بات واضحا أن بريطانيا تنحو تدريجيا نحو تموقع جديد ينسجم مع مواقف واشنطن وباريس. هذا التحول يكتسي أهمية خاصة في ضوء ما كشف عنه كلارك، حين اعتبر أن تصنيف البوليساريو كمنظمة إرهابية أصبح ضرورة لحماية الأمن القومي البريطاني، بالنظر إلى تزايد احتمال استهداف مصالح المملكة المتحدة في المغرب أو عبر شبكة الشركات البريطانية العاملة في غرب إفريقيا.

ويأتي ذلك بالتوازي مع خطوة نوعية في الولايات المتحدة، حيث قام نائبان في الكونغرس، ينتميان إلى الحزبين الجمهوري والديمقراطي، بتقديم مشروع قانون يطالب رسميا بتصنيف البوليساريو كتنظيم إرهابي أجنبي، في خطوة اعتُبرت تجسيدا لتوافق نادر في السياسات الأمنية تجاه شمال إفريقيا.

الواقعية السياسية في مواجهة السرديات القديمة

إن المطالبة البريطانية المتزايدة بإعادة تقييم موقفها من البوليساريو تنسجم مع دينامية دولية باتت ترفض خطاب “الكفاح التحرري” الذي ظلت الجبهة تروج له منذ السبعينيات. فالارتباطات العضوية التي تجمع البوليساريو بطهران، وميلها الواضح لاستهداف المدنيين والمنشآت الدبلوماسية، تقوض أي شرعية قد تدعيها، وتضعها في خانة التنظيمات ذات الطبيعة الإرهابية، وليس الحركات السياسية.

من منظور القانون الدولي، فإن تنفيذ هجمات على أهداف مدنية باستخدام صواريخ موجهة خارج نطاق الحرب التقليدية، والتآمر لضرب تمثيليات دبلوماسية، كلها أعمال ترقى إلى “الإرهاب العابر للحدود”، ما يمنح الحكومات الغربية الغطاء القانوني الكامل لتصنيف الجبهة ككيان تهديدي.

لحظة الحسم تقترب

المقال الصادر عن ديلي تلغراف لا يعكس فقط رأيا فرديا، بل يمثل مؤشراً واضحا على أن النخب الأمنية والسياسية في الغرب بدأت تدرك خطورة السكوت عن تمدد الجماعات المتطرفة بغطاء “قضية عادلة”.

وفي حال مضت المملكة المتحدة في الاتجاه نفسه الذي بدأ يتبلور في واشنطن، فإن جبهة البوليساريو قد تجد نفسها قريبا على قوائم الإرهاب، في خطوة من شأنها أن تُحدث زلزالا جيوسياسيا في المنطقة، وتُضعف كثيرا من أوراق النظام الجزائري، الداعم الأول لها سياسيا وعسكريًا.

إن لحظة الحقيقة باتت أقرب من أي وقت مضى. الغرب مدعو اليوم إلى أن يواكب الواقع، ويستجيب للأخطار، لا أن يظل رهينة سرديات قديمة تخدم أجندات التخريب أكثر من خدمة السلام.

مقالات ذات صلة