سياسة
أخر الأخبار

مشروع مانساسو.. التحول الجذري في مقاربة نزاع الصحراء

يدخل ملف الصحراء المغربية مرحلة غير مسبوقة مع انخراط الولايات المتحدة وفرنسا، مدعومتين بالمملكة المتحدة، في الدفع نحو صيغة جديدة لتسوية النزاع. الهدف المعلن هو دفن خيار الاستفتاء نهائيا وإطلاق بعثة أممية جديدة مكرسة حصرا لمواكبة خطة الحكم الذاتي المغربية، في تحول تاريخي من شأنه إعادة تشكيل المعادلة داخل الأمم المتحدة وتبديد احلام النظام الجزائري و جبهة البوليساريو الانفصالية.

من “المينورسو” إلى “مانساسو”: نهاية خيار الاستفتاء

منذ 1991، مُنحت بعثة “المينورسو” تفويضا لتنظيم استفتاء تقرير المصير، وهو خيار ظل حبرا على ورق بسبب الخلافات العميقة حول الهوية ولوائح الناخبين. اليوم، يسعى مشروع “مانساسو” (بعثة للمساعدة في التفاوض حول وضع الحكم الذاتي في الصحراء الغربية) (Mission d’assistance pour la négociation d’un statut d’autonomie au Sahara occidental) MANSASO إلى إعادة توجيه التفويض الأممي من مراقبة وقف إطلاق النار والتحضير لاستفتاء مستحيل التنفيذ، إلى مرافقة مسلسل الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية.

جولة مسعد بولوس: رسالة إلى الجزائر

التسلسل الجديد بدأ أواخر يوليو مع جولة مسعد بولوس، مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لشؤون الشرق الأوسط وإفريقيا.
-في باريس، التقى وزير الخارجية الفرنسي جان-نويل بارو.
-في اليوم الموالي، توجه مباشرة إلى الجزائر دون المرور بالرباط، في إشارة واضحة: الجزائر هي الطرف الحقيقي في النزاع.

في لقائه مع المسؤولين الجزائريين، دعا بولوس إلى القبول بـ”حل مشرف” يقوم على الحكم الذاتي المغربي بدلا من الاستفتاء. وبعد أيام قليلة، جاء خطاب العرش للملك محمد السادس ليعزز نفس التوجه بدعوة إلى “حل توافقي مع الأشقاء الجزائريين”، في إطار تنسيق لافت بين الرباط وواشنطن.

دعم أمريكي معلن ومتعدد المستويات

في واشنطن، أعاد السفير الأميركي الجديد في الرباط ريتشارد دوك بوشان التأكيد أمام مجلس الشيوخ أن الحكم الذاتي المغربي هو الخيار الوحيد الجدي والواقعي. وفي أبريل، كان وزير الخارجية ماركو روبيو قد جدد اعتراف الولايات المتحدة بمغربية الصحراء ودعا لاستئناف المفاوضات تحت رعاية الأمم المتحدة.
التحركات توّجت برسالة رسمية من الرئيس ترامب إلى الملك محمد السادس في 2 غشت، أعلن فيها دعما صريحا لمغربية الصحراء وخطة الحكم الذاتي (2007)، مؤكدا رفض واشنطن القاطع لخيار الاستفتاء.

لقاء العيون وتغيير طبيعة البعثة الأممية

وفد أمريكي يضم دبلوماسيين وعسكريين زار مدينة العيون والتقى برئيس بعثة المينورسو ألكسندر إيفانكو. النقاش تمحور حول تقليص البعثة، خاصة مكونها المدني والسياسي، مع الإبقاء فقط على قوات حفظ السلام لمراقبة وقف إطلاق النار. هذه المقاربة تشكل خطوة عملية نحو إعادة صياغة مهام الأمم المتحدة بما يخدم المسار الجديد.

مشروع “مانساسو”.. فكرة مغربية برؤية استراتيجية

الفكرة التي صاغها الدبلوماسي المغربي السابق محمد لوليشكي في تقرير لمركز السياسات من أجل الجنوب الجديد (PCNS) تقترح بعثة أممية جديدة ترافق حصرا مسار الحكم الذاتي. المشروع يضع حدا نهائيا لفكرة الاستفتاء ويفتح الباب أمام مقاربة أكثر انسجاما مع التحولات الميدانية والسياسية.

هذا التغيير يعني عمليا إلغاء خيار الاستفتاء الذي ظل نظريا ضمن تفويض “المينورسو” منذ 1991. وستكون نتائجه: سحب الصحراء من قائمة الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي، إقصاء “البوليساريو” من الاتحاد الإفريقي، وتعزيز الاعتراف الدولي بالسيادة المغربية.

الضغوط على الجزائر: العصا والجزرة

الولايات المتحدة تحرك الملف باستخدام مقاربة مزدوجة:
-العصا: احتمال تصنيف “البوليساريو” منظمة إرهابية، وهو ما سيقوض شرعيتها ويضع الجزائر في حرج دولي كبير. مشاريع قوانين بهذا الصدد يجري تداولها في الكونغرس عبر شخصيات مثل جو ويلسون وجيمي بانيتا.
-الجزرة: وعود باستثمارات أمريكية في قطاع الطاقة والمعادن الجزائري، خاصة مع دخول شركات كبرى، ما يفتح للجزائر باب الانخراط في تسوية تحفظ ماء الوجه.

دور فرنسا والرباط في بلورة النص الجديد

فرنسا تلعب دور الوسيط بين واشنطن والرباط، باعتبارها “الوسيط الطبيعي” بحكم علاقاتها التاريخية بالمنطقة. ناصر بوريطة، وزير الخارجية المغربي، يُرتقب أن يزور باريس لتثبيت نص تسوية تم التوافق على خطوطه العريضة بين الملك محمد السادس والرئيس ماكرون في قمة 2024 بالرباط.

الجزائر والبوليساريو: عناد خارج السياق

رغم الضغوط والانفتاحات، يصر النظام الجزائري على نفس الخطاب التقليدي: الدفاع عن استفتاء مستحيل التطبيق. في 20 غشت، أكد زعيم الجبهة الانفصالية إبراهيم غالي للأمم المتحدة أن الاستفتاء هو “الإطار الشرعي الوحيد لتصفية الاستعمار”. بل أعاد طرح مقترح توسيع تفويض “المينورسو” ليشمل مراقبة حقوق الإنسان، في محاولة بائسة لإحياء مسارات فقدت صلاحيتها.
هذا التشبث لا يعكس سوى عجز الجزائر في ظل حكم العسكر عن التكيف مع الواقع الدولي الجديد، وإصرارها على معركة خاسرة تستنزف مواردها الداخلية.

مجلس الأمن: معركة أكتوبر 2025

لتمرير هذا التحول، تخطط واشنطن، بصفتها صاحبة القلم في الملف داخل مجلس الأمن، لطرح مشروع قرار في أكتوبر المقبل. فرنسا تدعم بقوة هذه الخطوة، بينما يركز المغرب على إقناع الأعضاء غير الدائمين مثل سلوفينيا، كوريا الجنوبية، باكستان، سيراليون، الدنمارك، اليونان، غويانا، بنما والصومال

أمام مجلس الأمن في أكتوبر المقبل خياران:
1-تجديد روتيني لتفويض المينورسو بما يعني الحفاظ على الوضع القائم.
2-أو تبني إصلاح جوهري عبر إطلاق بعثة مانساسو.

لتمرير القرار، يتطلب الأمر 9 أصوات مؤيدة على الأقل وتجنب الفيتو. الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا تقف إلى جانب المغرب، بينما تراهن الرباط على امتناع روسيا والصين والجزائر، بما يسمح بتمرير النص دون تعطيل.

لحظة تاريخية لإنهاء النزاع

منذ خطة 2007، ظل الحكم الذاتي يُوصف في قرارات مجلس الأمن بأنه “جدي وواقعي”، لكن دون إلغاء صريح لخيار الاستفتاء. الجديد في 2025 هو أن القوى الكبرى تتجه نحو دفن هذا الخيار بلا رجعة.
اليوم، يملك المغرب فرصة تاريخية لتوظيف الدعم الأميركي-الفرنسي-البريطاني وتحويله إلى قرار أممي نهائي يُنهي نزاعا عمره نصف قرن.

انها فرصة ذهبية يجب ان لا تُفوَت

لقد انتهى زمن المماطلة. المجتمع الدولي حسم أن الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هو الحل الوحيد الواقعي. الجزائر قد يواصلان عنادها، لكن التيار الجارف يتجه نحو الحسم. أمام المغرب اليوم لحظة تاريخية يجب أن تُستثمر بذكاء عبر:
-تعزيز الدبلوماسية الهجومية لكسب مزيد من الأصوات في مجلس الأمن.
-الاستمرار في التنمية الميدانية للأقاليم الجنوبية.
-كشف عقم الطرح الجزائري للرأي العام الدولي.

هي لحظة فاصلة لإغلاق الملف بشكل نهائي وترسيخ مغربية الصحراء في الوعي الدولي كحق تاريخي وكأمر واقع غير قابل للجدل.

مقالات ذات صلة