سياسة
أخر الأخبار

من مخيمات تندوف إلى إقليم الباسك: السلطات الامنية الإسبانية تعتقل عنصرين من البوليساريو بتهم الإرهاب

في تطور خطير يعيد تسليط الضوء على التهديدات الأمنية المتنامية القادمة من منطقة الساحل والصحراء، أعلنت السلطات الإسبانية، خلال الأيام القليلة الماضية، عن توقيف عنصرين تربطهما علاقات عائلية بمسؤولين بارزين في جبهة البوليساريو في مقاطعة ألافا بإقليم الباسك، شمال البلاد، بتهم تتعلق بالضلوع في أنشطة إرهابية.

العنصران، اللذان قدما من مخيمات تندوف، يخضعان لتحقيق معمق من قبل الأجهزة الأمنية الإسبانية، وسط مؤشرات متزايدة على وجود شبكة أوسع من المتشددين المنتمين إلى البوليساريو، تنشط في أوروبا تحت ستار العمل السياسي أو الإنساني. وتُعد هذه العملية الأمنية تطورا غير مسبوق يُعيد طرح أسئلة ملحة حول طبيعة المخيمات التي تديرها الجبهة على الأراضي الجزائرية، وحقيقة ما يجري داخلها من عمليات تجنيد وتلقين أيديولوجي لجيل جديد من المتطرفين.

مصادر أمنية مطلعة أكدت أن الموقوفين تربطهما علاقات وثيقة بشبكات متشددة تنشط في منطقة الساحل، وأن تحركاتهما داخل إسبانيا كانت محل مراقبة منذ عدة أشهر، خاصة بالنظر إلى خلفيتهما وتدريبهما المسبق في بيئة غير خاضعة للرقابة الدولية في تندوف. كما يجري التحقيق حول احتمال تورطهما في التخطيط لعمليات إرهابية أو تسهيل دخول عناصر متطرفة إلى أوروبا عبر شبكات تهريب البشر.

وتأتي هذه العملية بعد سلسلة من التقارير والتحذيرات التي أصدرتها أجهزة استخبارات أوروبية، والتي نبهت مرارًا إلى التحول الخطير لمخيمات تندوف إلى بؤر للتطرف والتجنيد الإرهابي. كما سبق للعديد من الخبراء أن حذروا من وجود علاقات متينة بين بعض قيادات جبهة البوليساريو وتنظيمات إرهابية مثل “داعش في الصحراء الكبرى” و”القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، خاصة مع تكرار ظهور أسماء قادة ميدانيين ينتمون سابقًا إلى البوليساريو في هياكل قيادية لتلك التنظيمات.

ويُخشى اليوم أن تكون جبهة البوليساريو، التي ما تزال تتلقى تمويلا سخيا من الجزائر، قد تحولت تدريجيا من حركة ذات مطالب انفصالية إلى كيان مليء بالعناصر المتطرفة العابرة للحدود، ما يهدد ليس فقط استقرار شمال أفريقيا، بل أيضا أمن أوروبا بأسرها.

البرنامج الإنساني تحت المجهر

اللافت في هذه القضية أن العنصرين الموقوفين سبق لهما المشاركة، في مرحلة الطفولة، في برنامج “عطلة في سلام”، وهي مبادرة إنسانية كانت تهدف إلى استضافة أطفال من مخيمات تندوف من قبل أسر إسبانية خلال فصل الصيف. غير أن هذا البرنامج أصبح، بحسب العديد من المنظمات والمراقبين، وسيلة تستغلها البوليساريو والجهات الداعمة لها لتوسيع نفوذها الدعائي والسياسي داخل إسبانيا، بل وتحويل بعض هؤلاء الأطفال لاحقا إلى أدوات لترويج التطرف بعد عودتهم إلى المخيمات.

التحقيقات الأولية تشير إلى أن الموقوفَين استغلا ما اكتسباه من إتقان للغة الإسبانية ومعرفة بالبيئة الأوروبية لتوسيع دائرة الاتصال واستقطاب متعاطفين مع الأفكار المتطرفة، في ما يبدو أنه جزء من مخطط أوسع يستهدف زعزعة الأمن داخل دول الاتحاد الأوروبي.

تحذير أوروبي متصاعد

في ضوء هذه التطورات، يتزايد الضغط على الحكومة الإسبانية وباقي دول الاتحاد الأوروبي لإعادة تقييم علاقة مؤسساتها بكيانات محسوبة على البوليساريو، ومراجعة برامج التعاون التي قد تُستغل لأغراض غير إنسانية. كما ترتفع الأصوات المنادية بضرورة إدراج الجبهة في قوائم المنظمات الإرهابية، لا سيما في ظل تزايد الأدلة على تورط عناصر تابعة لها في شبكات الاتجار بالبشر وتهريب المخدرات والأسلحة، إلى جانب نشاطات دعائية متطرفة تستهدف استقرار المجتمعات الأوروبية.

توقيف عنصرين من البوليساريو في إقليم الباسك الإسباني لا يُعد مجرد حادثة أمنية معزولة، بل إنذار صارخ يفرض على أوروبا، وبخاصة إسبانيا، إعادة النظر في التعاطي مع جبهة البوليساريو ومخيمات تندوف. إنها لحظة حاسمة تستدعي تحركا جديا لمواجهة الخطر المتسلل من الجنوب قبل أن يتحول إلى أزمة أمنية شاملة في قلب القارة الأوروبية.

مقالات ذات صلة