
بينما لا تزال أصداء الضربات الأمريكية على البرنامج النووي الإيراني تتردد في أروقة السياسة العالمية، رفعت طهران منسوب التهديد، وأعلنت بصوت مرتفع: “كل جندي ومواطن أميركي في المنطقة بات هدفا مباشرا.” هكذا نقلت وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية، في نبرة لم تترك مجالا للشك: الشرق الأوسط يدخل مرحلة جديدة من التصعيد.
في تقرير مثير ومفصل، استعرضت صحيفة واشنطن بوست اليوم أبرز المواقع العسكرية الأمريكية التي قد تصبح أهدافا مباشرة لأي رد إيراني محتمل، وذلك بناء على تصريحات قادة طهران، وتحركات على الأرض، وبيانات من مسؤولين أمريكيين وغربيين.
الخرائط العسكرية تتحرك: أين ينتظر الإيرانيون الرد؟
التركيبة الجيوعسكرية للوجود الأمريكي في المنطقة توفر لإيران قائمة طويلة من الأهداف المحتملة. من العراق إلى سوريا، ومن الدوحة إلى البحرين، تبدو القواعد الأمريكية كمنصات مكشوفة في ميدان مكهرب.
قاعدة عين الأسد – العراق
تقع غرب بغداد بنحو 150 ميلا، وتُعد أكبر نقطة انتشار للقوات الأمريكية في العراق. تستضيف هذه القاعدة آلاف الجنود الأمريكيين وتديرها القوات الجوية العراقية والأميركية بشكل مشترك. وفي مشهد يُستعاد الآن بقلق، كانت هذه القاعدة في مرمى صواريخ إيرانية عقب اغتيال قاسم سليماني عام 2020، حيث استهدفت بـ11 صاروخا أسفرت عن إصابة العشرات وخلّفت حفرا عميقة في الأرض.
التنف – سوريا
القاعدة الامريكية الوحيدة المتبقية في سوريا، بعد قرار إدارة ترامب تقليص عددها من ثمانٍ إلى واحدة. تقع بشكل استراتيجي عند مثلث الحدود بين سوريا والعراق والأردن. ورغم صغر حجمها، فهي ذات قيمة استراتيجية عالية. الهجوم الدموي بطائرة مسيرة في يناير 2024 على موقع “برج 22″، القريب من التنف، والذي أودى بحياة ثلاثة جنود أمريكيين، لا يزال ماثلا في أذهان صناع القرار في واشنطن.
الخليج تحت المجهر: تهديدات تطال قطر والبحرين والإمارات
بقدر ما هو اقتصادي، يُعد الخليج العربي اليوم ساحة عسكرية مفتوحة. فمع تكدس القواعد الأمريكية فوق مياهه وتحت رماله، يصبح تهديد طهران أكثر إيلاما.
قاعدة العديد – قطر
تبعد 20 ميلا عن الدوحة، وهي الأضخم من حيث عدد الجنود الأمريكيين في المنطقة. وتُعتبر مركز قيادة متقدم للقيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM). يمكنها استقبال أكثر من 10 آلاف جندي، ما يجعلها في عين العاصفة. وفق مسؤول أوروبي تحدث للصحيفة، حذرت إيران الدوحة مباشرة من أن “قواعد الأميركيين في الخليج ستكون أهدافا مشروعة إذا هاجمت واشنطن”.
المنامة – البحرين
مقر الأسطول الخامس الأمريكي، وتضم أكثر من 8,000 جندي وبحار أمريكي. وظلت لفترة طويلة منطلقا أساسيا لعمليات بحرية أمريكية في الخليج، مما يعزز احتمال استهدافها.
الإمارات والكويت
-قاعدة الظفرة الجوية في أبوظبي، تحتضن الجناح 380 للقوات الجوية الأمريكية، وقد شكلت قاعدة لعمليات الطائرات الأمريكية في عدة حروب.
-معسكر بوهرينغ وقاعدة علي السالم الجوية في الكويت، يشكلان نقاط دعم لوجستي واستراتيجي لأي عمليات أمريكية في العراق أو الخليج.
الدبلوماسيون أيضا في دائرة الخطر
لا تقتصر التهديدات الإيرانية على الجنود والمواقع العسكرية. فقد باشرت الولايات المتحدة بإجلاء موظفيها وعائلاتهم من سفاراتها في العراق وإسرائيل، وسط مؤشرات على استعداد إيران لاستهداف البعثات الدبلوماسية الأمريكية، أو استخدام وكلائها لتنفيذ ضربات من خلف الستار.
وبالفعل، لوح أبو علي العسكري، القيادي الأمني في ميليشيا “كتائب حزب الله” المدعومة من إيران، قائلا:
“لقد أعددنا الخطط العملياتية… كل القواعد الأمريكية في المنطقة ستصبح أراضي لصيد البط… والأيام المقبلة قد تحمل مفاجآت في السماء لطائراتهم”.
ردع أمريكي وتحركات استباقية
في مواجهة التهديدات، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية عن نشر تعزيزات عسكرية إضافية في الشرق الأوسط، لحماية جنودها ومنشآتها. وأكد وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغسيث أن “حماية القوات الأمريكية هي أولويتنا القصوى”.
وأضاف المتحدث باسم البنتاغون شون بارنيل:
“القوات الأمريكية تحافظ على وضعها الدفاعي ولم يطرأ عليه أي تغيير”.
قلق دولي… وأجواء مشحونة
ارتدادات التوتر ظهرت سريعا في قطاع الطيران المدني. فقد ألغت شركات مثل إير فرانس وKLM رحلاتها من وإلى مطار دبي الدولي مساء الأربعاء، في إجراء احترازي يعكس هشاشة الوضع الأمني، دون تحديد موعد لاستئناف الرحلات.
هل تستطيع إيران ضرب العمق الأمريكي؟
الجواب الصريح هو: لا.
بحسب مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن (CSIS)، فإن ترسانة إيران الصاروخية، بما فيها الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز، لا تمتلك مدى يسمح لها بالوصول إلى الأراضي الأمريكية. كما أن سلاحها الجوي محدود القدرة من حيث النطاق والفعالية.
ولذلك، تبقى القوات والمنشآت الأمريكية في الشرق الأوسط هي الهدف الأكثر ترجيحا لأي انتقام إيراني، وهو ما يجعل المرحلة المقبلة شديدة الخطورة، ومفتوحة على كل السيناريوهات.
الشرق الأوسط في عين العاصفة
المنطقة تعيش على حافة تصعيد واسع النطاق. فالإشارات واضحة، والتحذيرات متبادلة، والتحركات العسكرية على الأرض باتت ملموسة. وبين تهديدات طهران، وتحضيرات واشنطن، وتربص الميليشيات في الظل… تبدو كل الاحتمالات واردة، في صراع قد لا تبقى نيرانه داخل حدود الشرق الأوسط.