
هو مشهد لا يشبه الرياضة لا من قريب ولا من بعيد، تسجل عبره الجزائر مرة أخرى سابقة مخزية في المشهد الإفريقي، وهذه المرة عبر بطولة كأس أمم إفريقيا للسيدات، التي يحتضنها المغرب بين 5 و26 يوليو 2025. المشكل ليس في أداء المنتخب النسوي، بل في أداء الاتحادية الجزائرية لكرة القدم والإعلام الرسمي، المتواطئين عن قصد وتوجيه في طمس أي إشارة إلى البلد المنظم، وكأننا في حرب مقدسة لا في بطولة رياضية إفريقية.
ما الذي يخيفهم في رؤية اسم “المغرب” على شعارات البطولة؟ ما الذي يهدد الأمن القومي إذا ظهر شعار “Royal Air Maroc”خلف مدرب المنتخب؟ وكيف يمكن لمؤسسة بحجم الاتحادية أن تنزل إلى درك فاضح من التصرفات الطفولية، فتمارس قصا وطمسا وإخفاء في البث والمحتوى، فقط لأن المنظم هو المغرب؟
اتحاد كرة أم جهاز أمني؟
الاتحادية الجزائرية، التي من المفترض أن تكون هيئة مستقلة تعنى بكرة القدم، أصبحت مجرد ذراع تنفيذية لقرارات سياسية صادرة عن النظام العسكري، الذي يخنق كل فضاء للتنفس والتفاعل الطبيعي. فحين تعمد الاتحادية إلى إزالة شعار البطولة من منشوراتها، وتُغيب اسم المغرب، فإنها بذلك تعلن رسميا عن خضوعها الكامل لتوجيهات سلطة ترى في الرياضة مجرد حلبة إضافية لتفريغ عقدها التاريخية، لا وسيلة للتقارب بين الشعوب.
هل نلوم الاتحادية؟ أم نلوم من نصب أعضاءها بالتليفون من مكتب جنرال؟ في الجزائر، تُمارس الرياضة، داخل قوقعة من الرقابة والوصاية والخوف من المجهول، حتى أصبح اللاعبون والمدربون مجبرين على اللعب والحديث وفق أجندة الأجهزة، لا وفق روح المنافسة.
الإعلام الرسمي… أداة تزوير لا نقل
أما الإعلام الجزائري، فلا عزاء له. قنوات رسمية وجدت نفسها في موقف سريالي خلال نقل المؤتمر الصحفي للمدرب الجزائري، فاختارت أن تزيل شعار “Royal Air Maroc” رقميا وتضع مكانه “TotalEnergies”، في تصرف يليق فقط بدول الدكتاتوريات لا الدول التي تحترم مواطنيها. لم يعد الإعلام ينقل الخبر، بل يصنع نسخة مشوهة منه، ثم يبيعها للجمهور وكأنها الحقيقة.
أي إعلام هذا الذي يخشى أن يُذكر اسم “المغرب”؟ هل تنظيمه لبطولة رياضية عدوان يستوجب التمويه؟ إن ما نراه اليوم هو إعلام يعيش تحت تهديد أجهزة لا تؤمن إلا بالمواجهة، ويرى في كل منافسة فرصة لـ”الانتقام الرمزي”، حتى وإن كانت بطولة نسوية لا علاقة لها بالحسابات العسكرية.
العسكر… عقدة اسمها المغرب
لنكن صرحاء: الجزائر الرسمية، تحت الحكم العسكري، لم تُهزم في ملف الصحراء فحسب، بل انهزمت أخلاقيا وإنسانيا ورياضيا. عقدة المغرب التي تتضخم عاما بعد عام، جعلت النظام يسحب كل القيم من المؤسسات، بما فيها الرياضة، ويحولها إلى أدوات تعبئة عدائية. بدل أن تكون البطولة فرصة لترميم العلاقات، تحولت إلى مناسبة جديدة لتعميق الكراهية، بأدوات تقنية مبتذلة كإخفاء الشعارات وتزوير الصور.
لكن ما لا يفهمه هذا النظام أن الشعوب ليست غبية. صورة شريط أسود يغطي شعار البطولة على دكة بدلاء المنتخب الجزائري انتشرت كالنار في الهشيم، لا لأن المغاربة غاضبون فحسب، بل لأن الجزائريين أنفسهم يشعرون بالخجل من تصرفات نظام لا يزال يجر البلاد نحو العزلة والسخرية.
الجزائر تستحق الأفضل
الجزائر لا تُختصر في نظام عسكري مهووس. ولا في إعلام موجه. ولا في اتحاد كرة يخشى ذكر”المغرب”. الجزائر هي شعب حر، يحب كرة القدم، ويعرف أن احترام الخصم لا يعني الخضوع له. نريد رياضة نظيفة، واتحادا مستقلا، وإعلاما حرا. نريد جزائر لا تخشى اسم جارها، بل تفتخر بمنافستها الشريفة.
وإلى أن يتحقق ذلك، ستبقى كل رقعة ملعب تُلطخ بعقدة السياسة… وكل شريط لاصق يُخفي شعار بطولة، هي شهادة إدانة لنظام لم يفهم بعد أن الشعوب أقوى من الحصار، وأصدق من المونتاج.