جون بولتون… حين يصبح المدافع عن مصالح إسرائيل حليفا ومرشدا اخلاقيا لعسكر الجزائر!

ليس غريبا على نظام يعيش في عزلة مزمنة، ويتغذى على الأوهام، أن يجد في جون بولتون منقذا أخلاقيا ونصيرا سياسيا لقضية خاسرة منذ عقود. لكن المثير للغثيان فعلا، أن يتحول أحد أبرز رموز الحروب، وأشد المتطرفين في الإدارة الأمريكية، إلى نجم على الشاشات الجزائرية، ويُقدم لجمهور مغيب على أنه “مفكر حر ومدافع عن الصحراويين”! يا لها من نكتة ثقيلة بايخة.
جون بولتون ليس مجرد موظف سابق في البيت الأبيض. إنه العراب الأول لسياسات الموت والدمار الأمريكي في الشرق الأوسط، مهندس الفوضى في العراق، ومحامي الشيطان حين يتعلق الأمر بإسرائيل. هو الرجل الذي خدم الصهيونية أكثر مما خدم الولايات المتحدة نفسها. وكان من عتاة المروجين لغزو بغداد، ودفع إدارة ترامب إلى الاعتراف بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل، .
ومع ذلك، تحتفي به أبواق العسكر الجزائري فقط لانه دافع عن السردية الوهمية.
إنه نفس بولتون الذي طرده ترامب شر طردة، بعد أن وصفه بـ”الغبي”، و”المهووس بالحروب”، و”الخطر على الأمن القومي الأمريكي”. فهل أصبحت شهادة بولتون وسام شرف في صدور جنرالات الجزائر؟ أم أن الإفلاس السياسي دفعهم ليتشبثوا بأي اسم أمريكي يتقاطع – ولو بالخطأ – مع حكايتهم المهترئة حول “تقرير المصير”؟
ما لا يقال صراحة في الإعلام الرسمي الجزائري، أن بولتون لم يُدلِ بهذه المواقف “حبا في ساكنة مخيمات تندوف”، بل بدوافع جيوسياسية بحتة، بعضها مرتبط بعلاقاته الغامضة مع جهات داخل النظام الجزائري نفسه. فمنذ سنوات، بدأ هذا المتطرف الأمريكي يصف الجزائر بـ”الشريك الاستراتيجي”، وراح يغازل جنرالاتها في خطاباته وتغريداته، وكأنما يبحث عن موطئ قدم في لعبة توازنات جديدة بعد خروجه من السلطة.
بولتون ليس “صديق الشعوب” مثلما يصوره إعلام عسكرDz، بل صديق “المصالح الشخصية”. وموقفه من قضية الصحراء المغربية ليس إلا أداة مساومة رخيصة في صراع النفوذ على شمال إفريقيا، خاصة مع دخول روسيا والصين على الخط. ومن يصدق أن رجلا لم يؤمن يوما بحقوق الفلسطينيين، سيذرف الدموع على معاناة الصحراويين، فهو مجرد ساذج.
والأدهى من ذلك، أن العسكر الذين يصفقون لبولتون اليوم، هم أنفسهم من ملأوا الدنيا ضجيجا حول “العدوان الصهيوني”، و”خيانة المطبعين”، و”صفقة القرن”، فإذا بهم يروجون لمقال أحد أكبر حلفاء نتنياهو في واشنطن. أي تناقض هذا؟ بل أي نفاق أشد منه؟
متى كان دعاة الحروب شفعاء الحقوق؟
إن الإعلام الجزائري الذي يتشدق بـ”مناهضة الإمبريالية”، بات يستجدي رضا بقايا رموزها، ويقدمهم كأنبياء العدل، فقط لأنهم تفوهوا بجملة تخدم أطماع النظام في إدامة النزاع. هذا النظام الذي يرفض حل النزاع، لأنه بكل بساطة يقتات استمراره.
أما المغرب، فقد اختار طريقا واضحا: بناء الدولة، وتقوية التحالفات، والانفتاح على المستقبل. بينما يواصل العسكر الجزائري الاستثمار في المتاهات، حتى لو اضطروا لرفع صور بولتون جنبا إلى جنب مع صور شهداء غزة!
باختصار، من يحتفي بجون بولتون… لا يحق له أن يتحدث عن فلسطين، ولا عن الحرية، ولا عن العدالة. ومن يستعين بخدمات من يوجد حاليا خارج دائرة صنع القرار في الادارة الامريكية، لا يملك رؤية استراتيجية، بل مشروعا مأزوما يعيش على الأوهام والخرافات.
هنيئا للعسكر بحليفهم الجديد… فلعلهم يرسلون له درع “الشهامة” او “وسام الاستحقاق الوطني” او “الأثير” نظير مقاله الذي نفس عليهم.