إقتصادسياسة
أخر الأخبار

بعد استهدافه من إسرائيل.. ما أهمية حقل “بارس” الجنوبي الاستراتيجي لإيران؟

في سابقة هي الأولى من نوعها منذ اندلاع التصعيد الإقليمي، تعرض حقل “بارس” الجنوبي، أحد أعمدة الاقتصاد الإيراني ورافد رئيسي لأمن الطاقة في البلاد، لهجوم جوي إسرائيلي أسفر عن اندلاع حريق هائل داخل منصة المرحلة 14، ما أدى إلى توقف مؤقت لإنتاج قرابة 12 مليون متر مكعب من الغاز.

يأتي هذا الاستهداف كمؤشر على تغيير في قواعد الاشتباك، إذ وسعت إسرائيل نطاق عملياتها إلى بنى تحتية حيوية، محطمة بذلك الخطوط الحمراء التي لطالما تجنبتها القوى الكبرى تفاديا لتفجير أزمة طاقة عالمية. فما هو هذا الحقل؟ ولماذا يشكل قلب الأمن الطاقي الإيراني؟

حقل الغاز الأضخم في العالم: “بارس” الجنوبي

يُعد حقل “بارس” الجنوبي – الذي تشاركه إيران مع قطر أكبر حقل غاز طبيعي بحري في العالم، وتغطي مساحته الإجمالية نحو 9700 كيلومتر مربع، تقع منها 3700 كيلومتر مربع في المياه الإيرانية، والباقي ضمن ما تسميه الدوحة “حقل الشمال”.

تم اكتشاف الحقل عام 1990 من قبل شركة النفط الوطنية الإيرانية (NIOC)، وبدأ تطويره رسميا سنة 1998 عبر شركة “بارس” للنفط والغاز (POGC)، بدعم من شركات عالمية كبرى بينها “توتال”، “إيني”، “بتروناس”، “جازبروم”، و”ستات أويل”.

يُقدر مخزون الحقل بنحو 51 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي وقرابة 50 مليار برميل من مكثفات الغاز، أي ما يعادل ثلث احتياطيات الغاز العالمية القابلة للاستخراج، وفقا لوكالة الطاقة الدولية (IEA).

ركيزة الأمن الطاقي الإيراني

يشكل “بارس” الجنوبي 70% من إجمالي إنتاج الغاز الإيراني، إذ تنتج منه طهران أكثر من 716 مليون متر مكعب يوميا. ويُستعمل هذا الإنتاج أساسا لتغطية الاستهلاك الداخلي الذي يفوق 255 مليار متر مكعب سنويا، في ظل غياب بنى تصديرية فعالة بسبب العقوبات الغربية والقيود التقنية.

وعلى الرغم من هذه التحديات، تبقى إيران رابع أكبر منتج للغاز عالميا، خلف الولايات المتحدة وروسيا وقطر، وتُسجل صادراتها بنحو 15.8 مليار متر مكعب فقط سنويا، معظمها إلى تركيا والعراق.

استهداف ممنهج أم رسالة ردعية؟

الهجوم الإسرائيلي الذي طال أربع وحدات إنتاجية في المرحلة الـ14 من الحقل، وفق ما أوردته وسائل إعلام إيرانية، لم يكن عبثيا، بل جاء في وقت حساس يتسم بتعاظم التوتر في المنطقة وتزايد رهان إيران على مواردها الداخلية لضمان استقرارها الاقتصادي وسط حصار دولي خانق.

الهجوم لا يستهدف فقط البنية التحتية، بل يضرب في العمق الاقتصادي الإيراني، فـ”بارس” الجنوبي ليس مجرد منشأة طاقة، بل هو القلب النابض لاستراتيجية البقاء الطاقي والسيادي لإيران.

مقارنة استراتيجية: قطر في الصدارة

في الوقت الذي تستهلك فيه إيران غالبية غازها محليا، نظرا لصعوبة بيعه في الأسواق الدولية، تُصدر قطر الجزء الأكبر من إنتاجها من ذات الحقل إلى أوروبا وآسيا بفضل شراكاتها الضخمة مع شركات عالمية مثل إكسون وشل، وبنيتها التحتية المتطورة في مجال الغاز المُسال، ما يجعل من الدوحة لاعبا حاسما في سوق الغاز العالمي.

مكامن الخطورة والتحديات المقبلة

يشير الهجوم الأخير إلى بداية مرحلة استهداف البنى التحتية الحيوية للطاقة في المنطقة، وهو تطور يحمل في طياته مخاطر جيوسياسية واقتصادية جسيمة. فتضرر حقل بحجم “بارس” الجنوبي يمكن أن يهز استقرار السوق الإقليمية، ويُفاقم أزمة الطاقة العالمية، لا سيما في حال تكررت أو توسعت هذه العمليات

تداعيات الهجوم على سوق الغاز وردود الفعل الدولية

يأتي استهداف “بارس” الجنوبي في توقيت بالغ الحساسية لسوق الطاقة العالمي، حيث لا تزال أسعار الغاز والنفط تعاني من تقلبات بسبب النزاعات الجيوسياسية في أوكرانيا والشرق الأوسط. ورغم أن إيران ليست لاعبا رئيسيا في تصدير الغاز بسبب العقوبات، إلا أن المساس بحقولها الكبرى يرسل إشارة تحذير للأسواق بأن البنى التحتية الحيوية في الخليج لم تعد آمنة، ما قد يؤدي إلى ارتفاعات مضاربية في الأسعار العالمية.

في الأوساط الغربية، يُنظر إلى الهجوم كخطوة تصعيدية قد تدفع طهران إلى الرد بعمليات انتقامية ضد مصالح غربية أو منشآت طاقة في الخليج، ما من شأنه أن يهدد ممرات الشحن الحيوية كـمضيق هرمز. هذا السيناريو قد يدفع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى مضاعفة المراقبة الأمنية على مصادر الطاقة، وربما إعادة تقييم استراتيجياتهم الخاصة بتأمين الإمدادات في الشتاء المقبل.

من جانبها، تتابع دول شرق آسيا، المستورد الأكبر للغاز القطري من ذات الحقل، الوضع بقلق بالغ، خشية انتقال التوتر إلى الجانب القطري من الحقل، ما قد يعطّل الصادرات مؤقتاً أو يؤدي إلى تأخير في عقود التوريد الآجلة.

وفي ظل هذا التصعيد، يرجح أن تسعى أطراف دولية كـالصين وروسيا إلى لعب دور تهدئة غير مباشر، لحماية مصالحها في استقرار سوق الطاقة، لا سيما وأن شركاتها لا تزال مرتبطة بعقود تطوير داخل الحقل الإيراني.

يمثل حقل “بارس” الجنوبي العمود الفقري لاستراتيجية الطاقة الإيرانية، ومصدر دعم رئيسي لميزانية الدولة، ومنصة تؤكد من خلالها طهران قدرتها على الصمود والتطوير رغم العقوبات. استهدافه لم يكن مجرد عملية عسكرية، بل رسالة سياسية وأمنية مفادها أن البنية الطاقية لم تعد بمنأى عن نار الصراع.

ومع تصاعد التوترات، يبقى هذا الحقل مرآة لموازين القوى في الخليج، ورمزا لصراع أكبر يُدار في أعماق البحر لا يقل سخونة عن ما يُدار على اليابسة.

مقالات ذات صلة