تاريخ وأرشيف
أخر الأخبار

خريطة مؤتمر برلين 1885: شهادة دامغة على السيادة المغربية على توات، تديكلت، الساورة تندوف والساقية الحمراء، وادي الذهب، تمبكتو وشنقيط

انعقد مؤتمر برلين بين 1884 و1885 في العاصمة الألمانية، تحت إشراف المستشار أوتو فون بسمارك، بهدف وضع “قواعد” تنظيمية لتقاسم أفريقيا بين القوى الأوروبية. وقد نتج عن المؤتمر ما يعرف بـ”الميثاق العام لمؤتمر برلين”، الذي أرخ لانطلاق أكبر عملية تقسيم استعمارية في تاريخ القارة.

لكن المفارقة أن الخريطة المصاحبة لهذا المؤتمر، التي نُشرت ضمن موسوعة World History Encyclopedia، تكشف بصورة لا تقبل التأويل أن هناك كيانات أفريقية ذات سيادة آنذاك، أبرزها المملكة المغربية، التي لم تكن تحت أي استعمار أجنبي سنة 1885.

السيادة المغربية على الصحراء

تُظهر الخريطة أن مناطق مثل توات، قورارة، تديكلت، عين صالح، الساورة، وتندوف والساقية الحمراء كانت خارج أي نفوذ أوروبي، ما يعني أنها كانت تخضع لسلطة قائمة هي سلطة المخزن المغربي. ويؤكد المؤرخون أن هذه المناطق كانت ترتبط بالمغرب من خلال:

-الولاء الديني والسياسي للسلطان المغربي.

-إرسال الضرائب إلى فاس.

-التبعية الإدارية عبر القضاة والباشوات والقياد المحليين.

-الحضور لرايات الإمبراطورية المغربية في المواسم الدينية والتجارية.

-العملة المغربية المتداولة في تلك المناطق.

“الحكم الذاتي مع الولاء” للمخزن: شنقيط وتمبكتو

ما يُثير الانتباه في خريطة مؤتمر برلين هو أن بعض المناطق الصحراوية، مثل شنقيط (موريتانيا اليوم) وتمبكتو (شمال مالي)، ظهرت كمناطق غير خاضعة لأي استعمار أوروبي سنة 1885.

وهذه المناطق، وإن كانت تتمتع بنوع من الاستقلال المحلي أو الحكم الذاتي القبلي والديني، فإنها كانت تدين بالولاء السياسي والديني لسلطان المغرب، وتحمل روابط بيعة قديمة تثبتها وثائق ومحفوظات مخزنية.

وللإشارة، فإن تمبكتو احتلتها فرنسا في 1894 اي سنة وفاة السلطان الحسن الأول و سكان المنطقة أرسلوا وفد إلى فاسلإبلاغ السلطان بذلك.

كان العلماء والفقهاء في هذه المناطق يُرسلون طلباتهم إلى السلطان، ويُشاركون في المواسم العلمية بمدينة فاس، ويُحيون ذكراه في خطب الجمعة ، ما يؤكد أن السيادة لم تكن مرتبطة فقط بالإدارة العسكرية، بل أيضا بشبكة البيعة والشرعية الدينية والسياسية.

الولاء القبلي للمغرب: خريطة 1880 تكشف الامتداد الحقيقي للمخزن

لتعزيز هذه المعطيات، تكشف خريطة إفريقية أخرى مرجعية تعود إلى سنة 1880، أي خمس سنوات قبل مؤتمر برلين، أعدها الباحث Daniel López، عن كثافة التواجد القبلي والروابط السياسية التي كانت تحكم الصحراء الكبرى. وتُظهر هذه الخريطة أن قبائل كبرى كانت تدين بالولاء السياسي والديني للمغرب، نذكر منها:

-قبائل الرقيبات (Reguibat): من أقوى القبائل وأكثرها انتشارًا بين الساقية الحمراء ووادي الذهب وشمال موريتانيا، وكانت علاقتها بالمخزن المغربي راسخة.

-آيت أوسى (Aït Oussa)، وآيت لحسن (Aït Lahcen)، وآيت باعمران (Aït Baamran) وتكنة: قبائل ذات تواجد قوي في جنوب المغرب والصحراء، ظلت خاضعة للسلطان المغربي إداريا وروحيا.

-أولاد دليم وأولاد بوسبع: قبائل عربية لعبت دورا محوريا في الحفاظ على الولاء السياسي في شنقيط (موريتانيا) ووادي الذهب التي احتلها الإسبان في 1884.

-تجكانت ولمتونة، وجدالة، ومسوفة: قبائل صنهاجية تاريخية ساهمت في ربط المغرب بطرق القوافل نحو تمبكتو، وكانت تعتبر السلطان مرجعها السياسي والديني.

وقد ظلت هذه القبائل عبر القرون جزءا من الكيان السياسي المغربي، سواء من خلال البيعة الدينية أو من خلال الدعم العسكري والاقتصادي الذي كانت تتلقاه من المخزن. وهذا يُثبت أن السيادة المغربية لم تكن فقط بحدود الدولة، بل أيضا بشبكة ولاءات قبلية وشعبية عميقة ومتجذرة.

فرنسا تنقض الشرعية بالقوة

رغم وضوح هذه المعطيات، فإن فرنسا ما لبثت أن خرقت هذا التوازن التاريخي، وشرعت قبل مطلع القرن العشرين في احتلال تدريجي وهمجي لهذه المناطق المغربية، دون احترام لأي شرعية دولية، ولروح ما تم الاتفاق عليه مع الإمبراطورية الشريفة .

فمن احتلال عين صالح وتوات في 1901، إلى توغلها في الساورة وتندوف، كانت فرنسا تعمد إلى طمس الحدود التاريخية المغربية واستبدالها بخطوط استعمارية مصطنعة، في سابقة لا تزال آثارها الجغرافية والسياسية قائمة حتى اليوم.

خريطة تكشف، وتاريخ يُنصف

تعد خريطة مؤتمر برلين لعام 1885،  وثيقة دولية جغرافية تؤكد أن المغرب، كدولة ذات سيادة، كان يمتد في عمقه الجنوبي إلى أراضٍ لم تكن خاضعة لأي احتلال أوروبي، بل كانت ترتبط به شرعيا وتاريخيا وروحيا.

وإذا كانت بعض القوى الاستعمارية قد حاولت إعادة رسم الحدود بعد ذلك بالقوة، فإن الشرعية التاريخية والسياسية للمغرب ظلت راسخة، ويكفي الرجوع إلى هذه الوثائق لفهم جذور النزاعات الحالية.

السيادة لا تُمحى بخط حدودي مرسوم بقلم مستعمر

خريطة برلين ليست مجرد أداة استعمارية، بل مرآة تاريخية تكشف الحقيقة لمن أراد أن يرى. وتقول هذه الحقيقة:

توات، تديكلت، الساورة، عين صالح، الساقية الحمراء، وادي الذهب، شنقيط، وتمبكتو، كلها كانت في 1885 جزءا من الإمبراطورية المغربية الشريفة، سياسيا وروحيا وقبليا، قبل أن تُجزأ بالقوة وتُقطع أوصالها باتفاقات استعمارية جائرة.

مقالات ذات صلة