
أعلنت مجموعة فاغنر الروسية، المعروفة بعملياتها العسكرية في بؤر التوتر حول العالم، عن إنهاء مهمتها الرئيسية في مالي، بعد أكثر من ثلاث سنوات من التواجد الميداني إلى جانب الجيش المالي في الحرب ضد الجماعات المتطرفة.
وجاء في بيان رسمي صادر عن قسم الإعلام التابع للمجموعة أن “المهمة قد اكتملت”، مشيرا إلى أن عناصر فاغنر عملوا جنبا إلى جنب مع القوات المالية لتفكيك شبكات الإرهاب التي ظلت لعقود تهدد الأمن والاستقرار في البلاد. وادعى البيان أن آلاف المسلحين وقادتهم “تمت تصفيتهم”، وأنه تم تقديم دعم في بناء جيش وطني “قوي ومنضبط”، قادر على حماية وحدة أراضي الدولة.
ومن أبرز ما جاء في البيان أن “الهدف الرئيسي، وهو استعادة سيطرة الحكومة المالية على جميع عواصم الأقاليم، قد تحقق”، ما دفع بالمجموعة إلى إعلان نهاية مهمتها وعودتها.
خروج فاغنر… ودخول الفيلق الإفريقي؟
لكن إعلان فاغنر لا يعني بالضرورة نهاية الوجود العسكري الروسي في مالي أو في منطقة الساحل ككل. ففي الأشهر الأخيرة، كشفت تقارير استخباراتية وإعلامية عن خطة روسية جديدة لإعادة هيكلة النفوذ العسكري في إفريقيا، من خلال إنشاء ما يسمى بـ”الفيلق الإفريقي”، وهو قوة عسكرية موازية مدعومة من وزارة الدفاع الروسية.
وبحسب هذه التقارير، فقد اتخذ “الفيلق الإفريقي” من مدينة بنغازي الليبية مقرًا رئيسيا لقيادته، ويُنتظر أن يحل تدريجيا محل مجموعة فاغنر في عدة بلدان إفريقية، منها مالي، جمهورية إفريقيا الوسطى، والسودان. ويُعتقد أن هذه الخطوة تهدف إلى وضع القوات الموالية لموسكو تحت قيادة مركزية ومنضبطة أكثر، بعد الارتباك الذي خلفه تمرد قائد فاغنر السابق، يفغيني بريغوجين، منتصف عام 2023.
إعادة تموضع أم انسحاب استراتيجي؟
يرى محللون أن انسحاب فاغنر لا يعكس تخليا روسيا عن الساحة المالية، بل يُرجح أن يكون إعادة تموضع مدروسة، في إطار خطة موسعة لتعزيز الحضور الروسي بأدوات جديدة، أكثر خضوعا للمؤسسة العسكرية الروسية الرسمية.
وتأتي هذه التطورات وسط استمرار الانسحاب الغربي من منطقة الساحل، ما يفتح المجال لتوسع النفوذ الروسي، سواء عبر الفيلق الإفريقي أو عبر اتفاقيات تعاون ثنائية مع الأنظمة العسكرية في المنطقة.
هل تفتح مغادرة فاغنر الباب أمام مرحلة جديدة من الصراع في الساحل؟
انسحاب فاغنر من مالي، إذا ما تأكد على الأرض، يشكل محطة مفصلية في مستقبل التوازنات الأمنية في منطقة الساحل الإفريقي، التي تعاني من واحدة من أكثر الأزمات تعقيدا في العالم. فقد باتت هذه المنطقة مرتعا لعدة جماعات متطرفة مرتبطة بتنظيمي “القاعدة” و”داعش”، وسط ضعف بنيوي في الجيوش المحلية وانسحاب تدريجي للقوى الغربية.
وفي غياب استراتيجية إقليمية شاملة، يبدو أن روسيا تسعى لملء الفراغ، ليس فقط عبر الشراكات الثنائية، بل أيضا من خلال مشروعها الجديد المتمثل في “الفيلق الإفريقي”، الذي يُتوقع أن يكون أكثر انضباطا وتنسيقا من تجربة فاغنر التي طبعها الطابع غير الرسمي والمغامر في أحيان كثيرة.
غير أن هذه التحولات تطرح تساؤلات جوهرية:
هل تستطيع القوة الروسية الجديدة أن تقدم حلولا دائمة للأزمة الأمنية في الساحل؟
أم أن الأمر لا يعدو كونه تغييرا في الواجهة ضمن صراع دولي على النفوذ والموارد؟
الأسابيع المقبلة قد تحمل إجابات أولية، خصوصا مع ترقب ما إذا كانت روسيا ستعزز وجودها العسكري من ليبيا إلى بوركينا فاسو، مرورا بمالي والنيجر، في مواجهة محاور إقليمية ودولية متنافسة، في وقت تتصاعد فيه الدعوات لحلول أفريقية خالصة تضع الأمن والتنمية في قلب أي استراتيجية مستدامة.