سياسة
أخر الأخبار

فرنسا تهدد بتجميد أصول “عشرين مسؤولًا جزائريا”: تصعيد دبلوماسي غير مسبوق

باريس – 28 ماي 2025

في تطور لافت وغير مسبوق في العلاقات الفرنسية الجزائرية، كشفت مصادر مطلعة أن الحكومة الفرنسية تدرس بجدية فرض عقوبات مالية على مجموعة من كبار المسؤولين الجزائريين، من خلال تجميد ممتلكاتهم وأصولهم المالية في فرنسا. ويأتي هذا التوجه في سياق توتر متصاعد بين البلدين، بلغ ذروته منذ أشهر بسبب ملفات دبلوماسية وأمنية معقدة.

من التهديد إلى التحضير للإجراء

مصادر حكومية فرنسية أكدت لمجلة L’Express أن وزارتي الاقتصاد والداخلية تعملان حاليا على إعداد قائمة تشمل عشرين شخصية نافذة من النظام الجزائري، تمهيدا لإمكانية فرض عقوبات فردية عليهم. هؤلاء المسؤولون يشغلون مناصب إدارية وأمنية وسياسية عليا في الجزائر، ويمتلكون عقارات وأصولا مالية معتبرة داخل فرنسا.

وتشير نفس المصادر إلى أن ما لا يقل عن 801 من أعضاء النخبة السياسية والبيروقراطية الجزائرية، ممن يُعرفون بـ”النومونكلاتورا”، يمتلكون مصالح مالية في فرنسا، ويزورونها بشكل منتظم، دون احتساب العسكريين.

أداة ضغط دبلوماسي

السلطات الفرنسية تعتبر هذه القائمة بمثابة “الورقة الأخيرة” في مفاوضاتها مع الجزائر، وقد تُفعل في حال أقدمت الأخيرة على “خطوات عدائية إضافية”. ويأتي ذلك بعد أن قامت باريس، منتصف ماي الجاري، بتعليق اتفاقية موقعة عام 2007 كانت تسمح لحاملي الجوازات الدبلوماسية الجزائرية بالدخول إلى فرنسا دون تأشيرة.

سياق الأزمة: من أمير ديزاد إلى بوعلام صنصال

الأزمة بين باريس والجزائر تفجرت بشكل أكبر منذ حادثة اختطاف المعارض الجزائري أمير بوخرص (المعروف بأمير ديزاد) من الأراضي الفرنسية بين 29 أبريل و1 مايو 2024، وهي عملية تورط فيها عناصر تابعة للقنصلية الجزائرية. وردا على ذلك، اعتقلت السلطات الفرنسية أحد موظفي القنصلية، مما دفع الجزائر إلى طرد 12 دبلوماسيًا فرنسيا، لترد باريس بخطوة مماثلة. وفي 11 ماي، أعلنت الجزائر رسميا عددا آخر من الموظفين الفرنسيين “أشخاصًا غير مرغوب فيهم”.

وتدهورت العلاقات أكثر بعد قرار فرنسا في يوليو 2024 الاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه، تلاه اعتقال الكاتب الجزائري المعروف بوعلام صنصال في الجزائر منذ 16 نوفمبر 2024.

السيناريو الروسي يُلهم باريس… ولكن بلا غطاء أوروبي

مصدر رسمي أشار إلى أن النموذج الذي تعتمده فرنسا في هذه الحالة مشابه للعقوبات المفروضة على الأوليغارش الروس بعد غزو أوكرانيا. لكن الفارق الجوهري هو أن العقوبات ضد الروس تستند إلى إطار قانوني أوروبي مشترك، بينما لا يوجد إطار مشابه في حالة الجزائر.

ويشرح المحامي الفرنسي المختص في تجميد الأصول، رونو دو ليل، أن القانون الفرنسي يسمح منذ 2006 لوزيري الاقتصاد والداخلية بإصدار مرسوم مشترك لتجميد أصول أشخاص مرتبطين بمنظمات إرهابية. لكنه أضاف:”من الصعب جدًا تكييف وضع الجزائر ضمن هذا الإطار. لكن يمكن الاستناد إلى مبرر المساس بالمصالح الأساسية للأمة”.

تشريع جديد يفتح الباب أمام العقوبات

في هذا السياق، برز قانون جديد دخل حيز التنفيذ في 25 يوليو 2024، ضمن التشريعات الفرنسية لمكافحة التدخلات الأجنبية. وينص المادة L562-1 من القانون النقدي والمالي على إمكانية تجميد أصول أي شخص يرتكب “أفعال تدخل أجنبي” لصالح قوة خارجية، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، إذا كان الهدف هو المساس بالمصالح العليا لفرنسا.

وهذا ما قد يشكل الغطاء القانوني المناسب لتجميد أصول المسؤولين الجزائريين المعنيين، خاصة إذا ثبت تورطهم في عمليات مثل اختطاف المعارضين أو عرقلة التعاون القنصلي. العقوبة قد تستمر لستة أشهر قابلة للتجديد، وتشمل منع المستهدفين من استخدام ممتلكاتهم أو حساباتهم المصرفية داخل فرنسا.

رهان الردع… لا التنفيذ

رغم كل هذه التحضيرات، تشير أغلب التحليلات إلى أن الحكومة الفرنسية لا ترغب فعليا في تفعيل هذه العقوبات، وإنما تسعى لاستخدامها كورقة ضغط دبلوماسية. ذلك أن نشر قائمة رسمية بأسماء كبار مسؤولي دولة ذات سيادة وتجميد أصولهم سيعني عمليا الوصول إلى نقطة اللاعودة في العلاقات بين باريس والجزائر.

وبين التصعيد والتهدئة، تبقى الأيام المقبلة حبلى بالمفاجآت في ملف معقد يختلط فيه الأمن بالدبلوماسية، والاقتصاد بالسيادة، وسط توتر إقليمي يتزايد

مقالات ذات صلة