ما هو الشرط الوحيد الذي قد يُنقذ “البوليساريو” من تصنيفها كمنظمة ارهابية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية؟

كشف الكونغرس الأمريكي عن مشروع قانون فدرالي يحمل عنوانا صريحا:
“قانون تصنيف جبهة البوليساريو كمنظمة إرهابية”
(Polisario Front Terrorist Designation Act)، في تطور يُنذر بمرحلة جديدة في التعامل الأمريكي مع النزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية.
النص الذي أُودع بتاريخ 24 يونيو 2025 تحت رقم H.R.4119، تقدم به النائب الجمهوري جو ويلسون، مدعوما من النائب الديمقراطي جيمي بانيتا، ويُظهر توافقا ثنائيا نادرا يعكس خطورة التهديد الذي تمثله الجبهة في نظر صانعي القرار في واشنطن.
تهديد مباشر: تصنيف إرهابي وعقوبات مالية
ينص مشروع القانون على سلسلة من الإجراءات الصارمة ضد جبهة البوليساريو، ويمنح السلطات الأمريكية آليات واضحة لتفعيلها. وتبرز المادة الرابعة (Section 4) من المقترح بوصفها الركيزة التنفيذية الأخطر في النص، وتنص على ما يلي:
أولا – تقرير من وزير الخارجية:
يُلزم المشروع وزير الخارجية الأمريكي، في غضون 90 يوما من تاريخ سن القانون، بتقديم تقرير رسمي إلى لجان الكونغرس المختصة، يتضمن:
-تحديدا مفصلا لما إذا كانت جبهة البوليساريو تستوفي شروط التصنيف كمنظمة إرهابية أجنبية وفق المادة 219 من قانون الهجرة والجنسية الأمريكي (8 U.S.C. 1189).
-تقييما شاملا لما إذا كان من الواجب فرض عقوبات ضد الجبهة بموجب قانون “ماغنيتسكي العالمي” للمساءلة بشأن حقوق الإنسان، والذي يستهدف منتهكي الحقوق والجهات المتورطة في الفساد والإرهاب عبر تجميد الأصول ومنع الدخول إلى الولايات المتحدة.
ثانيا – تقرير من وزير الخزانة:
بالموازاة، تُلزم المادة نفسها وزير الخزانة الأمريكي بإعداد تقرير مماثل في نفس المهلة الزمنية (90 يوما)، لتحديد ما إذا كانت جبهة البوليساريو تستوفي المعايير القانونية لفرض عقوبات بموجب الأمر التنفيذي رقم 13224، المخصص لمحاربة تمويل الإرهاب وتجفيف موارده المالية.
ثالثا – الشكل العام للتقارير:
تنص المادة على أن تكون هذه التقارير علنية وغير سرية، مع إمكانية إرفاق ملحق سري عند الحاجة، ما يعني أن الكونغرس يُصر على أن يكون القرار شفافا وخاضعا للمحاسبة العامة.
نافذة ضيقة للإفلات: شرط واحد فقط
رغم حدة المادة الرابعة، يتيح مشروع القانون هامشا ضيقا لتفادي التصنيف والعقوبات. فقد ورد نص استثنائي يُخول رئيس الولايات المتحدة الأمريكية تعليق الإجراءات المنصوص عليها، فقط إذا شاركت جبهة البوليساريو “بحسن نية” في مفاوضات ترمي إلى تنفيذ مقترح الحكم الذاتي المغربي لسنة 2007، المُقدم رسميا إلى مجلس الأمن.
هذا المقترح الذي يمنح سكان الأقاليم الجنوبية للمملكة صلاحيات موسعة في إطار سيادة المغرب، يُعتبر من طرف الولايات المتحدة، والأغلبية الساحقة من الدول المؤثرة، الحل الوحيد الجاد والواقعي للنزاع.
باقي مواد المشروع ترسم خلفية دامغة
تُحمل المادة الثالثة من القانون وزير الخارجية الأمريكي مسؤولية إعداد تقرير شامل خلال 180 يوما، يتضمن تحليلا مفصلا حول:
-هيكلة قيادة البوليساريو وأنشطتها المسلحة؛
-مصادر تمويلها وداعميها الإقليميين والدوليين، وخاصة إيران وروسيا؛
-علاقتها المحتملة بمنظمات إرهابية مثل حزب الله، الحرس الثوري الإيراني، حزب العمال الكردستاني
-وعمليات استهدافها للمدنيين.
يستند المشروع إلى معطيات استخباراتية وصحافية، منها:
-صور لمقاتلين من البوليساريو في الثمانينات يرفعون صور الخميني، ما يُوثق ارتباطا مبكرا بإيران.
-مشاركة عناصر من حزب الله في تدريب المقاتلين في تندوف عام 2018، بينهم عنصر شارك في هجوم كربلاء 2007 وتعرّض لعقوبات أمريكية.
-تصريحات خطيرة أدلى بها عمر منصور، أحد قادة الجبهة عام 2022، أكد فيها تدريب مقاتلي البوليساريو على تشغيل طائرات مسيرة مسلحة.
-تقرير صحيفة “واشنطن بوست” في أبريل 2025، الذي أكد أن إيران زودت الجبهة بطائرات بدون طيار ودعم تدريبي وتقني.
-مشاركة جناح من حزب العمال الكردستاني في قمة “التضامن الصحراوي” في مخيمات تندوف في يناير 2025
الجزائر في مرمى الاتهام غير المباشر
رغم أن النص لم يُشر صراحة إلى الجزائر، إلا أن الوقائع المعروضة فيه تُسلط الضوء على الدور المركزي للجزائر في احتضان ودعم الجبهة سياسيا وعسكريا. استمرار هذا الدعم في حال تصنيف البوليساريو كمنظمة إرهابية قد يفتح الباب أمام تبعات قانونية ودبلوماسية تمس الجزائر نفسها، خاصة إذا اعتُبرت طرفا مسهلا لأنشطة إرهابية على أراضيها.
واشنطن تضع البوليساريو أمام معادلة حاسمة
المادة الرابعة من مشروع القانون H.R.4119 لا تُمهل جبهة البوليساريو طويلا: أمامها تسعون يوما لتعديل المسار والانخراط في الحل السياسي الذي تقوده الرباط، أو مواجهة التصنيف الرسمي ككيان إرهابي وما يستتبعه من عقوبات مالية ودبلوماسية وتجريم قانوني واسع النطاق.
الرسالة الأمريكية لا تحتمل التأويل: إما الحكم الذاتي المغربي، أو اللائحة السوداء للإرهاب.