الرأيسياسة
أخر الأخبار

من ساحة تصفية الاستعمار إلى واقع السيادة: لماذا آن الأوان لسحب ملف الصحراء المغربية من اللجنة الرابعة؟

منذ إدراج قضية الصحراء المغربية ضمن جدول أعمال اللجنة الرابعة لتصفية الاستعمار بالأمم المتحدة عام 1963 بعد جهد دبلوماسي مغربي، شهد هذا الملف تطورات سياسية ودبلوماسية وقانونية عميقة جعلت من استمراره ضمن هذا الإطار أشبه بـ”الجمود المؤسسي” الذي لا يُعبر لا عن الواقع الجغرافي ولا عن التحولات الجيوسياسية التي أعادت تشكيل المواقف الدولية إزاء هذا النزاع الإقليمي.

بعد أكثر من ستة عقود، تغير كل شيء: الواقع على الأرض، ميزان القوى الدولي، مواقف الدول، ومفهوم تقرير المصير نفسه. ما لم يتغير هو بقاء الملف حبيسا في لجنة أُنشئت لمرافقة تصفية الاستعمار وليس لإطالة أمده.

وبات من المشروع اليوم وأكثر من أي وقت مضى التساؤل: هل لا يزال إبقاء ملف الصحراء المغربية ضمن اللجنة الرابعة يعكس منطق القانون والميثاق، أم أنه تحول إلى عبء بيروقراطي يُعيق الحل السياسي ويغذي الوهم الانفصالي؟

هل إبقاء الملف ضمن اللجنة الرابعة له المبرر القانوني؟ وهل يمكن، سحب هذا الملف من هذه اللجنة الأممية؟

الجواب هو: نعم، قانونيا ممكن، وواقعيا ضروري، لكن سياسيا محفوف بالعراقيل!

الحقيقة التاريخية المُغيبة

في عز الحقبة الاستعمارية، طالب المغرب رسميا، سنة 1957، بالأمم المتحدة بتحرير باقي أراضيه المحتلة ومن ضمنها الصحراء المطلة على الأطلسي، والتي كانت ترزح تحت وطأة الاحتلال الإسباني، مؤكدا على روابط البيعة والتاريخ والسيادة الشرعية على الإقليم.

وظل المغرب يرافع دبلوماسيا إلى ان تمكن من إدراج ملف الصحراء سنة 1963 ضمن قائمة الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي، اما الجزائر الحديثة العهد بالاستقلال ورغم انخراطها في مسار دعم تقرير مصير شعوب القارة الافريقية لم تكن تولي اهمية للموضوع بل واعترضت في وثيقة تاريخية تعود إلى سنة 1966 باديس أبابا على استقلال الاقليم عن اسبانيا واعتبرت ان ذلك غير مجدي بسبب عدد السكان الضئيل جدا و الذي لا يتجاوز 50 الف!

انذاك لم يكن للبوليساريو وجود وهي التي تأسست إلا سنة 1973 بدعم من ليبيا القذافي، ثم ارتمت في أحضان جزائر هواري بومدين لتشرع في تنفيذ أجندات لا علاقة لها بالغاية التي تاسست من اجلها.

إن العودة إلى أرشيف الأمم المتحدة يكشف أن الملف مغربي في المنشأ، مغربي في الطرح، ومغربي في المطالبة. وبالتالي، فإنه بات من الضروري سحب الملف من اللجنة الرابعة ومن ثمة تصحيح مساره، فقد تمت تصفية الاستعمار سنة 1975.

الإطار القانوني لمهام اللجنة الرابعة: مقاربة مؤقتة وليست أبدية

اللجنة الرابعة، بوصفها امتدادا لجهود الأمم المتحدة في إنهاء الاستعمار، أنشئت بروح تاريخية استثنائية لمرافقة الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي نحو ممارسة حق تقرير المصير. غير أن هذا التصنيف كان يستند في حالة الصحراء المغربية إلى معطيات تعود إلى الحقبة الاستعمارية الإسبانية، قبل أن يُعاد تشكيل المشهد جذريا عقب استرجاع المغرب لأقاليمه الجنوبية بموجب اتفاق مدريد الثلاثي الموقع يوم 14 نوفمبر سنة 1975، والذي أقرت فيه إسبانيا نفسها بانتهاء دورها الاستعماري.

إن تصنيف إقليم ما كـ”غير متمتع بالحكم الذاتي” لا يفترض أن يظل قائما إلى الأبد، بل هو وصف قانوني مؤقت مرتبط بعدم تحقق شرط ممارسة تقرير المصير. وحينما تنتفي هذه الحاجة، سواء عبر استفتاء أو عبر صيغة ديمقراطية مقبولة دوليا، يصبح استمرار إدراج الإقليم خرقا ضمنيا لميثاق الأمم المتحدة نفسه.

القراءة القانونية: متى ولماذا يجب سحب الملف من اللجنة الرابعة؟

ثمة اعتقاد سائد وخاطئ بأن تقرير المصير يعني بالضرورة الاستقلال أو الانفصال لكن الميثاق الأممي والقرارات المؤسسة للجنة الرابعة، خصوصا القرار 1541 (1960)، ووفقا لما جاء في قرار الجمعية العامة 1541 (د -15) لعام 1960 بعنوانالمبادئ التي يجب أن تسترشد بها الدول الأعضاء في تقرير وجود أو عدم وجود الالتزام بإرسال المعلومات المنصوص عليه في المادة 73 (هـ) من الميثاق، يجوز القول بنيل إقليم غير متمتع بالحكم الذاتي قسطا كاملا منه:

1-بصيرورته دولة مستقلة ذات سيادة

2-أو بدخوله الحر في رابطة مع دولة مستقلة؛

3-أو بالاندماج مع دولة مستقلة.

وقد قدمت المملكة المغربية مبادرتها للحكم الذاتي سنة 2007، والتي تلقت إشادة دولية واسعة بوصفها “جادة وذات مصداقية وواقعية”، حسب توصيفات متكررة في قرارات مجلس الأمن.

وبالنظر إلى المبادرة المغربية للحكم الذاتي، والمشاركة الديمقراطية الواسعة لسكان الصحراء في الانتخابات، وتكامل البنية المؤسساتية والسياسية في الإقليم، فإن المعايير القانونية لتحقق تقرير المصير قد تحققت، ما يُسقط مبرر الإبقاء على الملف في اللجنة الرابعة.

وبالتالي، فإن طلب المغرب أو أحد حلفائه الدوليين بسحب الملف من جدول أعمال اللجنة الرابعة هو إجراء قانوني مشروع، يخضع لمسار رسمي يتضمن:

-طلب رسمي

-تقرير من الأمين العام أو اللجنة الخاصة

-تصويت من الجمعية العامة

وقد سُجّلت حالات عديدة في الأمم المتحدة تم فيها سحب أقاليم من هذه القائمة بعد تغير المعطيات، منها: هونغ كونغ، ماكاو، جرينلاند. وهذا يُؤكد أن الإجراء مشروع وقانوني ومسبوق.

الواقع السياسي يسبق اللجنة الرابعة

من المفارقات الكبرى في الحالة المغربية أن الأمم المتحدة تُشرف على مسار تفاوضي لحل النزاع عبر مجلس الأمن ومبعوثه الخاص، بينما تستمر اللجنة الرابعة في تبني خطاب كلاسيكي لا يواكب التطورات السياسية والقانونية.

فمجلس الأمن يُشدد على الحل السياسي الواقعي والتوافقي، بينما اللجنة الرابعة ما تزال تستخدم مصطلحات تجاوزها الزمن في تجاهلٍ تام لواقع:

-انسحاب إسبانيا من الاقليم منذ 1976

-ممارسة المغرب لسلطة مؤسسية كاملة في الإقليم

-دعم أكثر من 114 دولة لمقترح الحكم الذاتي

-دعم أكثر من 30 دولة لسيادة المغرب على صحرائه عبر افتتاح قنصليات في الداخلة والعيون

-تحول مواقف 3 دول مركزية لها عضوية دائمة بمجلس الامن كالولايات المتحدة وفرنسا ومؤخراً بريطانيا، لصالح دعم سيادة المغرب على صحرائه ومشروع الحكم الذاتي.

-دعم اسبانيا بصفتها القوة الاستعمارية السابقة لمقترح الحكم الذاتي في اطار السيادة المغربية

هذا الازدواج المؤسسي بين آليتين أمميتين يُحدث تشويشا قانونيا، ويعطل بشكل مباشر دينامية الحل السياسي.

العراقيل التي تعرقل سحب الملف

رغم هذه المعطيات، يظل سحب الملف من اللجنة الرابعة رهينا بعوائق سياسية:

1. التحالفات الإيديولوجية داخل اللجنة الرابعة:

دول مثل الجزائر، جنوب إفريقيا، كوبا، وفنزويلا ترفض أي تعديل في التصنيف، وتعتبر الحكم الذاتي التفافا على “حق تقرير المصير”، في تجاهل تام لمفاهيم القانون الدولي الحديث.

2. حركة عدم الانحياز وتكلس الخطاب:

عدد من الدول ما زال أسيرا لسردية الستينات، ويصوت تلقائيا لصالح البوليساريو رغم التغير العميق في المشهد الدولي.

3. الخوف من إحداث “سابقة قانونية”:

تخشى بعض الدول من أن يؤدي سحب ملف الصحراء إلى مطالب مماثلة من أقاليم أخرى،  مما يُعرقل التوافق داخل الجمعية العامة.

4. الدور التخريبي للنظام الجزائري في المؤسسات الأممية:

الجزائر تمارس ضغطا دبلوماسيا وإعلاميا كثيفا داخل اللجنة الرابعة، وتقدم نفسها كمدافع عن “حق تقرير المصير”، رغم أنها لم تطالب يوما بخروج إسبانيا من الصحراء قبل 1975.

لقد أصبح من الضروري اليوم، ليس فقط من باب السيادة، بل من باب استقامة القانون الدولي وشرعية الأمم المتحدة، أن يتم سحب ملف الصحراء من اللجنة الرابعة.

سحب ملف الصحراء من اللجنة الرابعة ليس فقط إجراء قانونيا ممكنا، بل هو ضرورة سياسية لإعادة الانسجام بين مؤسسات المنظمة الدولية، وتحريرها من تناقض يضر بسمعتها ومصداقيتها.

إن إبقاء ملف الصحراء المغربية ضمن قائمة اللجنة الرابعة لم يعد مجرد إشكال إجرائي، بل تحول إلى خلل قانوني يهدد تماسك الشرعية الدولية.

فالواقع أن المغرب لم يَعُد يطلب “الاعتراف” بمغربية الصحراء لأن هذا الاعتراف قد تم ميدانيا وسياسيا وقانونيا، بل يطلب من الأمم المتحدة أن تُواكب هذا الواقع، ومنح الحصرية لمجلس الأمن، بإعتباره الجهة الوحيدة المخولة طبقا للقانون الدولي بالإشراف على الحل السياسي تحت رعاية المبعوث الشخصي للأمين العام.

وعندما يُسحب هذا الملف من خانة “تصفية الاستعمار”، فإنه لا يُدفن، بل يُنقل إلى مجال التسوية السياسية الواقعية، تحت مظلة مجلس الأمن، حيث تُبنى الحلول، لا حيث تُعاد إنتاج الأوهام.

بمعنى آخر، آن الأوان لإخراج الملف من أرشيف الاستعمار، وإدخاله في واقع السيادة التامة.

ذلك هو منطق القانون، ومطلب الواقع، ومقتضى الشرعية التاريخية.

مقالات ذات صلة