
في مشهد يعيد تشكيل معادلات الردع في الشرق الأوسط، يكشف التصعيد العسكري الأخير بين إسرائيل وإيران عن أثمان باهظة دفعها الطرفان، سواء على المستوى البشري أو الاقتصادي، في واحدة من أعنف جولات التوتر المتبادل بين قوتين إقليميتين يمتلك كل منهما أدوات الحرب والاستنزاف.
وبحسب معطيات منشورة من مصادر متعددة من بينها “HRANA” و”Time”، فقد تكبدت إسرائيل خسائر اقتصادية وعسكرية ضخمة قدرت بحوالي 28 مليار دولار، نتيجة لنزيف اقتصادي وانفلات أمني وعسكري واسع النطاق. كما لحقت بها خسائر مادية مباشرة تقدر بـنحو 600 مليون دولار نتيجة الأضرار التي لحقت بالبنى التحتية.
في المقابل، لم تكن إيران في مأمن من الكلفة الباهظة، إذ تراوحت خسائرها الاقتصادية بين 1.5 إلى 3 مليارات دولار، وهي خسائر شملت تراجعا كبيرا في ضخ النفط، فضلا عن تدمير منشآت حيوية داخل البلاد، خصوصا في قطاع الطاقة والدفاع الجوي.
أما على صعيد الكلفة البشرية، فقد كانت إيران الطرف الأكثر تضررا. إذ سقط 639 قتيلا من الجانب الإيراني، مقابل 24 قتيلا في إسرائيل. وبلغ عدد الجرحى في إيران 1329 جريحا، مقارنة بـ838 جريحا في إسرائيل، ما يشير إلى ضراوة الضربات الإسرائيلية وشدة الرد الإيراني.
هذا التصعيد لم يكن مجرد مواجهة محدودة بل مثل اختبارا حقيقيا لحدود التصعيد المباشر بين دولتين لم تخضيا حربا شاملة من قبل، وإن ظلتا لعقود تخوضان حروبا بالوكالة أو عبر أدوات غير تقليدية. واللافت في هذه الجولة أن كلا الطرفين اختار استخدام الضربات المباشرة، في تصعيد يحمل بصمات تحول استراتيجي في قواعد الاشتباك، مع انفتاح كامل على سيناريوهات أكثر خطورة إذا استمرت المواجهة على نفس الوتيرة.
وفيما يحاول الوسطاء الدوليون تجنب انزلاق المنطقة إلى حرب مفتوحة، فإن هذه الأرقام الصادمة تسلط الضوء على هشاشة الاستقرار في الشرق الأوسط، وعلى مدى استعداد الطرفين لدفع الثمن، ولو على حساب الأمن الإقليمي والاقتصاد العالمي.
ختاما، يظهر أن جولة التصعيد الأخيرة لم تكن مجرد معركة محدودة الأهداف، بل رسالة سياسية وعسكرية من الطرفين: إسرائيل تريد تأكيد قدرتها على الردع المباشر، وإيران تسعى لتثبيت معادلات جديدة في الإقليم. وبين الرسائل والنيران، تبقى الشعوب هي من تدفع الثمن الأكبر.