الرأي
أخر الأخبار

الجزائر و إسرائيل..تقسيم الصحراء من بومدين الى تبون

بقلم هشام السنوسي

الضغط الجزائري–الإسرائيلي داخل الكونغرس الأمريكي و تشكل موقف الإدارة الأميركية من قضية الصحراء الغربية المغربية: صراع المصالح و النفوذ في شمال إفريقيا

تعكس سياسة الجزائر تجاه الصحراء الغربية المغربية إلى حد كبير رغبة بومدين في فرض الهيمنة الجيوسياسية للجزائر في شمال غرب إفريقيا، إلى جانب امتعاضه من محاولة الملك الحسن الثاني فرض أمر واقع عليه. كما يغذي هذه المواقف غضبه من الرئيس الموريتاني ولد داداه بسبب ما اعتبره خيانة لشراكتهما السابقة. و يعتبر بومدين الملكية المغربية بمثابة تقليد هجومي عفا عليه الزمن، و لن يمانع في الدفع نحو الإطاحة بالملك.

و رغم نفي بومدين وجود أي طموحات ترابية للجزائر، اقترحت الجزائر على المغرب في مفاوضات سرية، إقامة دولة تمتد من منطقة وادي الذهب إلى جزء من شمال موريتانيا.
بومدين كان يرمي إلى تقسيم الصحراء الغربية المغربية لتفادي تطويق الجزائر من الغرب و ضمان منفد على المحيط الأطلسي لتصدير الموارد المعدنية في جنوب غرب الجزائر .

سخّرت الجزائر كل إمكانياتها للضغط على الولايات المتحدة الأمريكية، لدفعها نحو قبول مخططها الرامي إلى تقسيم الصحراء الغربية المغربية . و استغلت في ذلك علاقاتها الوثيقة مع الاتحاد السوفييتي في المجال العسكري، و لوّحت بإمكانية إنشاء قاعدة عسكرية سوفييتية على التراب الجزائري، كما استخدمت سلاح الطاقة، لا سيما البترول والغاز الطبيعي المسال “GNL” ، كورقة ضغط في سياق الحرب الباردة و تضارب المصالح بين الشرق و الغرب.

كانت الولايات المتحدة الأمريكية على دراية جيدة بسعي الاتحاد السوفيتي إلى ترسيخ وجوده و نفوذه في المنطقة، عبر دعم قوي و مباشر للجزائر، الحليف الإقليمي الرئيسي له.
فقد مثّلت الجزائر قاعدة انطلاق استراتيجية نحو تعزيز النفوذ السوفييتي في البحر الأبيض المتوسط و غرب إفريقيا، و هو ما كان يشكل تهديدًا لتفوق البحرية الأميركية و حلف شمال الأطلسي (الناتو) في هذه المناطق الحيوية.

تركزت الجهود السوفيتية على تطوير البنية التحتية البحرية و العسكرية في الجزائر، بما في ذلك موانئ صيانة السفن و إمكانية تمركز الطائرات العسكرية. و قد بلغ عدد الخبراء و المستشارين و الفنيين العسكريين السوفييت العاملين في الجزائر حوالي ألف، تدعمهم اتفاقيات شراء أسلحة متطورة تزيد قيمتها على 1.3 مليار دولار.
و لم تكن موسكو تقدم دعمًا مباشرًا لجبهة البوليساريو، لكنها كانت تسمح بمرور الأسلحة السوفيتية إلى الجبهة عبر الجزائر، مما مكّنها من رفع قدرتها القتالية في مواجهة المغرب.

اقتصاديًا، شكلت الجزائر سوقًا ناشئة واعدة للشركات الأميركية. فقد مثّلت واردات الولايات المتحدة من النفط الخام الجزائري حوالي 8% من إجمالي وارداتها، كما أصبحت الجزائر المصدر الأول للغاز الطبيعي المسال (GNL) للأسواق الأميركية. و قد فازت شركات أميركية بعقود تتجاوز قيمتها 6 مليارات دولار، معظمها في بناء منشآت للنفط و الغاز. و بلغ حجم الصادرات الأميركية إلى الجزائر 525 مليون دولار سنة 1977، في حين اقتربت القروض المستحقة على الجزائر من بنك التصدير و الاستيراد الأميركي (Exim) و المؤسسات المالية الخاصة من ملياري دولار. و كانت الجزائر تخطط لإنفاق أكثر من 17.4 مليار دولار إضافية لتطوير قطاع المحروقات حتى عام 1985.

في هذا المناخ المشحون، لم يكن موقف إدارة الرئيس جيمي كارتر من قضية الصحراء الغربية المغربية نابعًا من اعتبارات استراتيجية بحتة، بل تَشَكَّل في جزء كبير منه تحت تأثير ضغوط متصاعدة داخل الكونغرس، قادها اللوبي الإسرائيلي من خلال شخصيات بارزة، أبرزها النائب ستيفان سولارز
“Stephan Solarz” رئيس اللجنة الفرعية للشؤون الإفريقية في مجلس النواب.

مع احتدام النزاع حول الصحراء الغربية المغربية في أواخر السبعينيات، برز سولارز كأحد أبرز الأصوات المعارضة لاستخدام المغرب للأسلحة الأميركية في النزاع، و سعى إلى فرض قيود صارمة على الدعم العسكري الأميركي للرباط. و قد استند في ذلك إلى شعارات مثل “احترام القانون الدولي” و ”رفض الحلول العسكرية”، غير أن خلف هذه المواقف كانت تكمن أجندة جيوسياسية أوضح، تتقاطع فيها مصالح إسرائيل مع مخطط الجزائر لتقسيم الصحراء الغربية المغربية.

فقد تزايد القلق الإسرائيلي من تعاظم الدور الإقليمي للمغرب، خاصة بعد تأسيس لجنة القدس برئاسة الملك الحسن الثاني تهدف( لجنة القدس إلى حماية الهوية الإسلامية للمدينة و الحفاظ على مكانتها كعاصمة لدولة فلسطين).
و مشاركة المغرب في حرب أكتوبر 1973 إلى جانب الدول العربية، ثم تنامي نشاطه الدبلوماسي في دعم القضية الفلسطينية. و هو ما دفع دوائر النفوذ الإسرائيلي في واشنطن إلى استثمار وجودها داخل الكونغرس للتأثير على السياسة الخارجية الأميركية تجاه المغرب، و محاولة زعزعة موقعه في ملف الصحراء الصحراء الغربية المغربية .

و في سياق هذا الضغط المتعدد الأطراف، أُلغيَت زيارة رسمية كان من المزمع أن يقوم بها الملك الحسن الثاني إلى الولايات المتحدة سنة 1978، في خطوة فسّرها مراقبون على أنها تعبير ضمني عن تحفظ إدارة كارتر على الموقف المغربي، أو استجابة غير معلنة لضغوط داخل الكونغرس. و مع ذلك، حافظ العاهل المغربي على قنوات الاتصال مفتوحة، مدركًا أن المواجهة المباشرة مع واشنطن ليست في مصلحة أي من الطرفين، و مراهنًا على المصالح الاستراتيجية العميقة التي تربط المغرب بالولايات المتحدة.

“المغرب في مواجهة الحلف الجزائري–السوفييتي: رهانات الشراكة مع واشنطن بين الصحراء و الأمن الاستراتيجي

تقارير الخارجية الأمريكية

في مواجهة التصعيد الجزائري–الإسرائيلي داخل الكونغرس الأميركي، تحرّك المغرب بدبلوماسية حذرة و فعالة للدفاع عن وحدته الترابية، و حماية مصالحه الحيوية مع الولايات المتحدة، خصوصًا في المجالات العسكرية و الاقتصادية التي شكلت أساس العلاقات الثنائية بين الرباط و واشنطن منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

أدرك المغرب مبكرًا أن الحفاظ على موقعه كشريك استراتيجي للولايات المتحدة يمرّ عبر تفعيل أوراقه الجيوسياسية و الأمنية في منطقة المغرب العربي، التي كانت – وما تزال – تكتسي أهمية خاصة في الحسابات العسكرية الأميركية. و تشمل المصالح الأمنية الأميركية في المنطقة، تأمين خطوط الاتصال البحرية في البحر الأبيض المتوسط، و تعزيز عمليات الأسطول السادس الأميركي، و ضمان أمن الضفة الجنوبية لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، فضلًا عن كبح أي محاولات سوفييتية لترسيخ وجودها البحري عبر قواعد لوجستية على شواطئ شمال إفريقيا.

في هذا السياق، يكتسي الموقع الجغرافي للمغرب، الذي يسيطر على الساحل الجنوبي لمضيق جبل طارق و يمتد عبر واجهة أطلسية واسعة، أهمية استراتيجية لا غنى عنها للولايات المتحدة. و هو ما جعل واشنطن تنظر إلى المغرب بوصفه شريكًا موثوقًا منذ بداية الحرب الباردة، حيث احتضن قواعد جوية أميركية تابعة للقاذفات الاستراتيجية (SAC) في خمسينيات القرن الماضي، كما استضاف منشآت اتصالات بحرية متقدمة دعمت العمليات الأميركية في البحر ألأبيض المتوسط و إفريقيا الغربية.

و على الرغم من أن بعض هذه المنشآت قد أُغلقت لاحقًا بمبادرة أميركية، إلا أن المغرب ظل متمسكًا بخيار الشراكة العسكرية مع واشنطن، محافظًا على علاقات دفاعية مرنة، بما في ذلك الترحيب بزيارات الأسطول الأميركي، بما فيه القطع البحرية النووية، و التعاون في تشغيل الترددات اللاسلكية المسجلة باسم المغرب، الضرورية لتأمين التواصل مع قطع الأسطول السادس المنتشرة في البحر الأبيض المتوسط.

بل أكثر من ذلك، وافق العاهل المغربي الملك الحسن الثاني مبدئيًا على إنشاء محطة أميركية بصرية متخصصة في تتبّع الأقمار الصناعية في الفضاء العميق، تُشغّلها القوات الجوية الأميركية، وتهدف إلى رصد تحركات الأقمار الصناعية السوفيتية التي تخرج عن نطاق أجهزة الاستشعار التقليدية. ويُعد هذا المشروع، أحد أبرز مظاهر الثقة الاستراتيجية المتبادلة بين البلدين في إطار التوازن الدولي خلال الحرب الباردة.

و بجانب ذلك، أبدى المغرب انفتاحًا على توسيع التعاون العسكري، بما في ذلك النظر في الطلبات الأميركية الخاصة بالحصول على امتيازات إضافية لإنشاء مرافق أو قواعد لوجستية في حال دعت الحاجة، و هو ما يعكس مرونة الرباط تجاه الحليف الأميركي، رغم التوترات الظرفية التي سببتها الضغوط داخل الكونغرس حول ملف الصحراء.

ومن خلال هذا التموقع الاستراتيجي، عمل المغرب على تعزيز مكانته كشريك إقليمي موثوق لأميركا، مدافعًا في الوقت ذاته عن حقه المشروع في استكمال وحدته الترابية. فالدبلوماسية المغربية حرصت على التذكير بالأبعاد المشتركة بين البلدين، خاصة في قضايا الأمن الإقليمي و مكافحة التوسع السوفيتي في أفريقيا بدعم من الجزائر ، و ربطت بين استقرار المغرب و وحدة أراضيه و بين المصالح الغربية في المنطقة، رافضة أن تكون ضحية لصراعات النفوذ أو لتجاذبات داخلية في المؤسسات الأميركية.

و في هذا الإطار، لم يكن الموقف المغربي مجرد ردّ فعل على الضغوط، بل شكّل تحركًا استباقيًا لإعادة ضبط بوصلة العلاقات الثنائية مع الولايات المتحدة، و التأكيد على أن دعم المغرب في صراعه حول الصحراء الغربية المغربية ليس فقط موقفًا عادلاً، بل يصب في صميم المصالح الأميركية الحيوية في شمال إفريقيا و غرب المتوسط.

و سيكون للموقف الأميركي من النزاع بين المغرب و الجزائر تأثير مباشر على مواقف الدول الصديقة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط و أوروبا و إفريقيا. إذ إن السياسات الأميركية ستُفسَّر في كثير من الأحيان على أنها جزء من “فشل” واشنطن في مواجهة التمدد العسكري السوفييتي/الكوبي في القارة الإفريقية، و هو تمدد لطالما حظي بدعم مباشر من الجزائر.
و يتمتع المغرب بعلاقات وطيدة مع فرنسا و عدد من الأنظمة المعتدلة في المنطقة، كإيران و السعودية و تونس و مصر و ساحل العاج و الزايير ، و تلتقي هذه الدول جميعها مع الملك الحسن الثاني في قلقه من التوغلات السوفييتية في إفريقيا التي تتم بتواطؤ جزائري، كما تؤيد حلًّا تفاوضيًا للنزاع العربي–الإسرائيلي.

و على الضفة المقابلة، يقف حلفاء الجزائر في إفريقيا و الشرق الأوسط، مثل ليبيا، العراق، اليمن الجنوبي، أنغولا، بنين، و مدغشقر، الذين يتبنون سياسات تتناغم عمومًا مع النهج السوفييتي. و قد رحّبت العديد من هذه الدول الإفريقية بالتدخل العسكري السوفييتي في القارة، بما يعكس اصطفاف الجزائر الصريح إلى جانب المعسكر الشرقي.

في هذا السياق، سيبقى الحسن الثاني يعتبر الاتحاد السوفييتي حاملاً لأيديولوجيا دخيلة تتعارض كليًا مع طبيعة نظامه الملكي. و رغم أن هذا التوجس لن يمنعه من التعاون اقتصاديًا مع موسكو، فإنه سيحافظ على ولائه السياسي للغرب، طالما أنه واثق من قدرته على مواجهة التوسع السوفييتي. أما إذا تبين له أن الغرب يتجه للتخلي عن إفريقيا لصالح النفوذ السوفييتي المدعوم من الجزائر، فقد يسعى إلى مهادنة مؤقتة مع موسكو، على أمل أن يستفيق الغرب قبل أن يسيطر السوفييت على أفريقيا.

تقسيم غير مباشر للصحراء: المقترح الجزائري كأداة نفوذ استراتيجي

بحسب وثيقة لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) تم رفع السرية عنها في 2016، طرح الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد خلال زيارته الأولى إلى واشنطن (16–22 أبريل 1985) مقترحًا سياسيًا لتسوية الأزمة، يضمن:
•بقاء الصحراء ضمن سيادة المغرب، لكنه يمنحها حكمًا ذاتيًا موسعاً لإدارتها لشؤونها الداخلية.

1. الحفاظ على النفوذ السياسي في الصحراء الغربية:
•من خلال منح الصحراويين “حكمًا ذاتيًا واسعًا”، كانت الجزائر تسعى لضمان بقاء عناصر البوليساريو (التي سلحتها و درّبتها و مولتها )في مواقع القرار داخل الساقية الحمراء و وادي الذهب .
•هذا يعني أن الهياكل الداخلية للحكم الذاتي ستظل مرتبطة سياسيًا و أيديولوجيًا بالجزائر، حتى و إن كانت السيادة اسمية للمغرب.
•الهدف، امتلاك نفوذ مباشر أو غير مباشر داخل أراضي الخصم الاستراتيجي (المغرب)، على شريط ساحلي طويل و مفتوح على المحيط الأطلسي.

و تهدف الجزائر لتكون شريكًا إجباريًا في كل مراحل التنفيذ و الرقابة على الحكم الذاتي، مما يعطيها صلاحيات و تأثيرًا يفوق وزنها الجغرافي في المنطقة.
•سيطرة المغرب الكاملة على الصحراء الغربية تعني امتداده نحو العمق الأطلسي الإفريقي، مما يُعزز طموحه ليكون قوة واصلة بين أوروبا و إفريقيا و لاعب محوري سلاسل التوري العالمية.
•الجزائر، من خلال هذا المقترح، كانت تحاول فرملة هذا الامتداد المغربي، عبر فرض “مفصل سياسي” (الحكم الذاتي الموسع) يمكنه مستقبلاً تعطيل أو التفاوض حول سياسات المغرب جنوبًا وغربًا.

2. منطقة عازلة ضد “الطوق المغربي”
•في خلفية المقترح كان هناك هاجس أمني جزائري: إذا ما بسط المغرب سيادته على كامل الصحراء الغربية ، فإن الجزائر ستُطوّق فعليًا:
•من الغرب بالمغرب.
•من الجنوب بموريتانيا المتحالفة مع الرباط.
•ومن الشمال بالبحر المتوسط المُراقب من حلف الناتو.

من هنا، فإن إنشاء كيان صحراوي “مستقل ذاتيًا” كان سيشكل منطقة عازلة وظيفتها تعطيل هذا الطوق الجيوسياسي حول الجزائر.

ترسيخ تقسيم الصحراء

لتكريس خيار تقسيم الصحراء، أقدم النظام العسكري الجزائري، على إنشاء كيان يُسمى “الجمهورية الصحراوية” داخل مخيمات تندوف على الأراضي الجزائرية، و في خرق صارخ للقانون الدولي و ميثاق منظمة الوحدة الإفريقية. وبقوة المال، تمكّن من دفع هذا الكيان إلى نيل عضوية المنظمة القارية في سابقة خطيرة. مستغلًا عائدات النفط حشد اعتراف نحو 80 دولة، كانت الغالبية الساحقة منها تدور في فلك الاتحاد السوفييتي آنذاك

استباق تراجع الدعم السوفياتي

في 1985، بدأت مؤشرات تراجع الدعم السوفياتي للجزائر و البوليساريو. عبر المقترح، كانت الجزائر تحاول الانتقال من خيار الانفصال المسلّح إلى خيار تفاوضي “دولي مشروع”، يحفظ لها مصالحها في المنطقة، تحسّبًا لضعف الدعم المستقبلي.

المقترح الجزائري لم يكن مجرّد تسوية، بل مشروع استراتيجي يهدف إلى تحويل منطقة الصحراء من ورقة صراع مباشر إلى منطقة نفوذ غير مباشر، تُبقي المغرب تحت الضغط، و تعيد التوازن لصالح الجزائر

تحوّلات الموقف الأمريكي تجاه الصحراء المغربية (2001–2003)

في مطلع الألفية، وتحديدًا بين عامي 2001 و 2003، بذل جيمس بيكر، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، إلى جانب السفير الأمريكي في الرباط، إدوارد غابرييل (Edward Gabriel)، جهوداً حثيثة لإقناع المغرب بقبول مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، مستندَين في ذلك إلى إشارات ضمنية تفيد بأن الإدارة الأمريكية تدعم هذا المقترح و تعتزم طرحه على مجلس الأمن. وقد عُرف هذا التصور لاحقًا باسم “مخطط بيكر الأول” أو Baker Plan I، الذي تم تطويره ما بين عامي 2000 و2001. وقد اعتبر المغرب آنذاك قبوله بمقترح الحكم الذاتي بمثابة تنازل استراتيجي من أجل تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة. بالمقابل، رفضت الجزائر هذا المقترح، رغم كونه يمثل حلاً وسطاً ، ما عكس استمرار تمسكها بخيارات متطرفة تُعيق مسار التسوية السياسية للنزاع.

لكن تحوّلاً سياسيًا كبيرًا حدث بعد ذلك. بين أواخر 2001 و أوائل 2002، زادت جهود الجزائر داخل واشنطن؛ حيث استغلت منح تسهيلات استثمارية ملحوظة لشركات النفط و الغاز الأمريكية، بالإضافة إلى توظيف شركات ضغط مرتبطة بلوبيات مؤيدة لإسرائيل. و قد أظهرت وثائق الأمم المتحدة تأكيدًا موثقًا على أن الرئيس الجزائري بوتفليقة أبدى استعداداً للنظر في حلول بديلة للصحراء، و منها ما يطلق عليه “تقسيم الإقليم”، و ذلك خلال لقائه مع بيكر بنوفمبر 2001 في المعهد بجامعة هيوستن .

جدير بالذكر أن تقرير بيكر السنوي المرفوع إلى الأمين العام للأمم المتحدة بتاريخ 23 مارس 2002 (S/2002/178) تضمن إشارة واضحة إلى هذا الطرح الجزائري، حيث أفاد بأن الجزائر و البوليساريو يمكن أن يتفهما فكرة تقسيم الإقليم كحل سياسي . هذه الإشارة، التي تُعرف ضمنيًا بـ”مقترح التقسيم”، هدفت إلى كسر الجمود السياسي، حسب الجزائر. لكن الرباط اعتبرتها ضغطًا لتخليها عن خيار السيادة.

في ضوء ذلك، قدّم بيكر بعدها مباشرة عرضًا جديدًا عُرف بـBaker Plan II في عام 2003، يتضمن حُكمًا ذاتيًا مؤقتًا
لمدة خمس سنوات. يُنهي بخيار استفتاء لتقرير المصير، يشارك فيه كلّ سكان الإقليم بدون استثناء. رفضه المغرب – ما أدّى إلى انسداد المفاوضات في أبريل–يونيو 2004، واستقالة بيكر في يونيو 2004 .

هذا التحوّل في الموقف الأمريكية-الأممّي تجاه الصحراء بلغ ذروته حين تدخل الملك محمد السادس، فأجرى لقاءً في واشنطن عام 2003 مع الرئيس جورج بوش الابن، طالباً توضيحات و مؤكّداً على تمسّك الرباط بسيادتها. و قد استجاب بوش، مطمئنًا الملك بأن ما أصدره بيكر هو اجتهاد شخصي ضمن دوره كموفد أممي، و لا يعكس السياسة الرسمية للولايات المتحدة، مشددًا على استمرار الشراكة الاستراتيجية المغربية–الأمريكية في ملفات الأمن و مكافحة الإرهاب.
•تجدر الإشارة إلى أن هذه الشراكة تعززت خصوصًا بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، حيث أصبحت مكافحة الإرهاب أولوية مشتركة بين البلدين.

منذ اليوم الأول للنزاع المفتعل حول قضية الصحراء، يدرك العالم أن الجزائر ليست فقط طرفاً فيه، بل هي جوهر هذا المشكل و محركه الأساسي

في الآونة الأخيرة، ظهرت مؤشرات متجددة على عودة الجزائر للترويج بشكل غير علني لمقترح “تقسيم إقليم الصحراء” كحل بديل لما تصفه بـ”فشل الأمم المتحدة في تنظيم استفتاء تقرير المصير”. هذه الفكرة ليست جديدة، بل تعود جذورها إلى عهد الرئيس الهواري بومدين، الذي سبق و أن استخدمها كاستراتيجية في الصراع حول الصحراء، و تبعه الرئيس الشاذلي بن جديد، ثم استعادها ضمنًا الرئيس عبد العزيز بوتفليقة خلال محادثاته مع المبعوث الأممي جيمس بيكر عام 2001، وهو ما وثقه بيكر في تقريره السنوي المقدم إلى الأمم المتحدة عام 2002.

ومن بين هذه المؤشرات، يبرز الاهتمام المتزايد الذي تبديه الجزائر بمقترح الحكم الذاتي المغربي المقدم عام 2007، حيث تسعى بشكل واضح إلى الحصول على أدق تفاصيله التقنية والسياسية، خصوصًا ما يتعلق بصلاحيات الإقليم، وهيكلة السلطة المحلية، ومجال تدخل الدولة المركزية. هذا الحرص يتقاطع مع تحركات دبلوماسية موازية ترمي إلى تفكيك قوة المقترح المغربي عبر الضغط على الولايات المتحدة.باستعمال ورقة الطاقة و المعادن النادرة و مكاتب الضغط اللوبيات الداعمة لاسرائيل.

الغاز والبترول والمعادن النادرة… والقواعد العسكرية الجزائرية تحت تصرف واشنطن

• الهدف الجزائري هو تقديم نفسه كشريك بديل في شمال إفريقيا، ما يفتح المجال لمقايضات إقليمية مع واشنطن، أبرزها تقسيم الصحراء المغربية. و تدرك الجزائر أن إدارة بايدن لم تُظهر اندفاعًا لتثبيت اعتراف ترامب بمغربية الصحراء، بل اكتفت بدعم مسار الأمم المتحدة. هذا التردد تستغله الجزائر لتحريك لوبيات الغاز والدفاع والمعادن لدفع واشنطن نحو موقف “اللا قرار” أو دعم “تقسيم جهوي” تحت مسمى “الحل التفاوضي”.

شرعت الجزائر منذ عام 2023 في توقيع عدد من العقود الاستثمارية الطاقية الضخمة مع شركات أمريكية رائدة في قطاع النفط والغاز، مقربة من إسرائيل و ذات نفوذ في اروقة الكونغرس من قبيل Chevron و إكسون موبيل (ExxonMobil) وأوكسيدنتال بتروليوم (Occidental Petroleum)، وهي عقود وُصفت بأنها تحمل أبعادًا جيوسياسية واضحة وتستهدف استعادة النفوذ داخل دوائر الضغط الاقتصادي والطاقي في واشنطن، كما فعلت في أواخر السبعينيات ومطلع الألفية

2. علاقات هذه الشركات الأمريكية بإسرائيل وتأثيرها على ديناميكية الضغط الجزائري في ملف الصحراء:
‏ • Occidental Petroleum
من المعروف أن Occidental (OXY) لم تقتصر على الأعمال في الجزائر، بل لها تاريخ في مشاريع استكشاف نفط وغاز في إسرائيل منذ الثمانينيات، مما يعزز دورها كجسر بين المصالح الأمريكية والمشاريع الإسرائيلية.
‏ • Chevron
تعمل ضمن تحالفات طاقية في إسرائيل، أبرزها حقل الغاز “Tamar” (تمتلك فيه 25%)، وتشارك في مشروع “Leviathan” الذي توسّع مؤخرًا بمشاركة أمريكية-إسرائيلية. هذه العلاقة تمنح الجزائر ورقة ضغط مزدوجة: العمل مع إسرائيل والولايات المتحدة معًا.
‏ • ExxonMobil
رغم غياب مشاريع مباشرة مع إسرائيل، تلعب دورًا مهمًا في دعم أمن الطاقة الإسرائيلي عبر تعاونها مع شركات كـBaker Hughes في مشاريع الغاز الطبيعي المسال (LNG).
‏ • Baker Hughes
تُعد من أبرز مزوّدي تقنيات الغاز الطبيعي، وشاركت في مشاريع إمداد غاز مرتبطة بإسرائيل عبر تحالفات مع ExxonMobil. رغم غياب نشاط مباشر، فإنها جزء من شبكة تشمل إسرائيل

و أدلى السفير الجزائري لدى واشنطن صبري بوقادوم بتصريح وصف فيه العلاقات الجزائرية–الأمريكية بأنها “لا سقف لها” (“The sky is the limit”)، في إشارةً إلى العلاقات العسكرية والاقتصادية المفتوحة مع واشنطن

و اعرب السفير الجزائري عن استعداد بلاده لتقديم امتيازات جذابة للولايات المتحدة في مجالات الطاقة و المعادن الاستراتيجية النادرة، في إطار تعزيز الشراكة الاقتصادية بين البلدين. و على الصعيد العسكري، تم الاتفاق على إدراج التعاون الدفاعي ضمن أولويات العلاقات الثنائية، وهو ما تُوّج بتوقيع مذكرة تفاهم عسكرية (MOU) في يناير 2025. وتنص هذه المذكرة على بند رئيسي يتيح للولايات المتحدة استخدام القواعد العسكرية الجزائرية في حال استدعت الضرورة ذالك من الجانب الامريكي ، ما يعكس تحولاً لافتاً في مستوى التنسيق الأمني بين الجانبين

كما زار الجزائر في يناير 2025 قائد قيادة الولايات المتحدة العسكرية في إفريقيا (AFRICOM)، الجنرال مايكل لانغلي، حيث قام بتوقيع مذكرة تفاهم عسكرية جديدة، وقد أشاد بدور الجزائر في تعزيز الأمن والاستقرار الإقليميين .

النظام العسكري الجزائري يحوّل تقسيم الصحراء إلى “قضية مقدسة”

عادت الجزائر في الآونة الأخيرة إلى الترويج، بشكل غير معلن، لخيار تقسيم الصحراء المغربية، باعتباره حلًا بديلاً لما تعتبره “فشلًا أمميًا في تنظيم استفتاء تقرير المصير”. هذا الطرح، الذي تعيد الجزائر تدويره، ليس بجديد، بل يعود إلى سبعينيات القرن الماضي حين تبناه الرئيس الأسبق هواري بومدين وكرّس له موارد البلاد الدبلوماسية والمالية في انتهاك لاتفاقية ترسيم الحدود الموقعة مع المغرب عام 1972.

وقد واصل هذا النهجَ خلفه الرئيس الشاذلي بن جديد، الذي سار على نفس المسار، محافظًا على الخيار ذاته كجزء من استراتيجية الجزائر في النزاع حول الصحراء

في عام 2001، عاد هذا المقترح إلى الواجهة خلال لقاء جمع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بالمبعوث الأممي جيمس بيكر، حيث اقترح بوتفليقة تقسيم الصحرأ. وقد وثّق بيكر هذه النقطة في تقريره السنوي المرفوع إلى الأمم المتحدة سنة 2002، ما يؤكد أن فكرة التقسيم لم تغب يومًا عن الأدبيات السياسية الجزائرية.

ومنذ تعيين تبون رئيسا للجزائر (واجهة مدنية للنظام العسكري)، اتخذت العلاقات المغربية–الجزائرية منحى تصعيديًا هو الأخطر منذ استقلال الجزائر عام 1962. فقد اعتمد النظام العسكري الجزائري سياسة قطيعة شاملة مع المغرب شملت: قطع العلاقات الدبلوماسية، إغلاق المجال الجوي، وقف تجديد عقد أنبوب الغاز، تعليق الربط الكهربائي، فرض التأشيرات على المغاربة، ومنع التعامل مع الشركات المغربية، إلى جانب حملة دعائية غير مسبوقة في الإعلام الرسمي وشبه الرسمي.

وفي تصعيد إضافي، قام تبون بترسيم حدود الجزائر مع الكيان الوهمي المسمى بـ”الجمهورية الصحراوية”، كما أطلق مشروع استغلال منجم “غار الجبيلات” في خرق مباشر لاتفاق ترسيم الحدود مع المغرب، الذي نصّ على إنشاء شركة مختلطة لاستغلال المنجم مع احترام وحدة الأراضي.

أما فيما يتعلق بالنزاع الإقليمي، فقد أعاد العسكر الجزائري، خلال زيارة المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا إلى الجزائر، طرح خيار تقسيم الصحراء، في إعادة إحياء لعرض ظل حاضرًا في كواليس الدبلوماسية الجزائرية لعقود. وبالفعل، أشار دي ميستورا إلى ما سمّاه “مبادرة تقسيم الصحراء” في تقريره السنوي

دوليًا، كثّفت الجزائر من تحركاتها العدائية ضد المغرب، وخاصة في ملف الصحراء، حتى على حساب علاقاتها التقليدية مع شركاء استراتيجيين مثل إسبانيا وفرنسا. فقد تدهورت العلاقات إلى مستويات متأزمة، تجلت في سحب السفراء، التصريحات العدائية، وتعليق التعاون الثنائي.

وفي واشنطن، سعت الجزائر إلى التأثير في موقف الإدارات الأمريكية المتعاقبة من خلال الاستعانة بمكاتب ضغط مقربة من إسرائيل، بالإضافة إلى استقطاب شخصيات نافذة مثل جيم إنهوف وجون بولتون، المعروفين بمواقفهما الداعمة لإسرائيل، من أجل دفع إدارة ترامب – ثم بايدن – وأخيرًا الإدارة الحالية إلى التراجع عن الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على الصحراء.

كما عملت الجزائر على الترويج لمقترحين بديلين: الأول، تقسيم الصحراء الغربية المغربية؛ والثاني، منح حكم ذاتي موسع تحت السيادة المغربية، يسمح بتوقيع اتفاقيات دولية من دون الرجوع إلى الرباط، ويتيح لجبهة البوليساريو تأسيس حزب سياسي يدير منطقتي الساقية الحمراء ووادي الذهب لمدة خمس سنوات، تُتوج بانتخابات “شفافة”.

وهكذا، تتضح معالم تحول تقسيم الصحراء الغربية المغربية إلى “قضية مقدسة” في عقيدة النظام العسكري الجزائري، وسط تعنت سياسي يهدد استقرار المنطقة ويقوّض جهود الأمم المتحدة في الوصول إلى حل دائم ومتوافق عليه

يخشى مراقبون أن تكون هذه الخطوات جزءًا من استراتيجية مخطط لها لتكرار ما جرى خلال 2002–2003، حيث رافق الضغوط الاقتصادية والعسكرية تغير في الأطروحة الدولية من الحكم الذاتي النهائي إلى حكم ذاتي مؤقت يمهد لاستفتاء، ما أدى إلى “إفراغ المقترح المغربي من مضمونه السيادي” عبر خلق روافع ضغط على صانعي القرار الأمريكيين ومجلس الأمن

رغم عقود من المناورات والضغوط، من عهد الهواري بومدين إلى عبد المجيد تبون، لم ينجح العسكر الجزائري في فرض مشروعه التقسيمي في الصحراء الغربية المغربية ، لا عبر السلاح في السبعينيات، ولا عبر الابتزاز الدبلوماسي والطاقي في الألفية الجديدة. بل إن التطورات المتلاحقة تؤكد انحسار التأثير الجزائري في الملف، مقابل تصاعد الدعم الدولي المتنامي للمقترح المغربي للحكم الذاتي كحل واقعي وذي مصداقية، يحظى اليوم بدعم قوي من الولايات المتحدة، التي اعترفت بسيادة المغرب على الصحراء في ديسمبر 2020، ومن فرنسا وإسبانيا، و بريطانيا إلى جانب العشرات من الدول الإفريقية و الأسيوية والعربية واللاتينية.
ومما يعزز هذا المنحى، أن مجلس الأمن نفسه قد طوى عمليًا صفحة “الاستفتاء”، ولم يعد يشير إليه في قراراته المتعاقبة، التي تعتبر أن قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، الصادرة منذ عام 2007، هي المرجع لحل النزاع المفتعل حول الصحراء الغربية المغربية، ويجب أن يكون الحل سياسيًا وواقعيًا وقائمًا على التوافق، وهو ما ينطبق بشكل دقيق على المبادرة المغربية للحكم الذاتي

وتتجسد هذه الدينامية بشكل واضح في التراجع المتسارع لعدد من الدول عن اعترافها بما يُسمى “الجمهورية الصحراوية”، بالتوازي مع التحولات التنموية الكبيرة التي تعرفها منطقتا الساقية الحمراء ووادي الذهب، لاسيما في مدينتي العيون والداخلة، حيث تحولت هذه المدن إلى ورش مفتوحة للتحديث والاستثمار وتعزيز البنية التحتية، وأصبحت تشكل بوابات اقتصادية ممتدة نحو العمق الإفريقي. ويُعد مشروع أنبوب الغاز نيجيريا–المغرب أحد أبرز المبادرات الاستراتيجية في هذا السياق، إلى جانب رؤية ملكية واضحة ترسّخ مكانة الصحراء المغربية كبوابة نحو إفريقيا، من خلال إطلاق مبادرات رائدة، مثل تجمع الدول الإفريقية المطلة على المحيط الأطلسي، ومبادرة دول الساحل وتشاد للوصول إلى الأطلسي، إضافة إلى إدماج المنطقة ضمن الممرات الاستراتيجية العالمية، سواء عبر طريق الحرير الصينية أو من خلال مبادرة الاتحاد الأوروبي “Global Gateway”.

ويعمل المغرب اليوم، ضمن رؤية استراتيجية يقودها الملك محمد السادس، على تحويل جهات الصحراء المغربية إلى بوابة مغاربية–إفريقية، ليس فقط من خلال الربط الطاقي واللوجستي، بل أيضًا عبر جعل الداخلة والعيون مركزين إقليميين لاستقبال وتكوين الطلبة الأفارقة، في سياق دبلوماسية ناعمة تعزز الحضور المغربي داخل القارة، وتُفرغ المشروع الانفصالي من أي مضمون سياسي أو اجتماعي فعّال.

إن مشروع تقسيم الصحراء، الذي ظل يُتداول في الكواليس من زمن بومدين إلى دوائر الحكم الحالية في الجزائر، بات اليوم خارج السياق التاريخي والدولي، أمام واقع إقليمي جديد يُعيد ترتيب التوازنات على أسس الشرعية والتنمية والانفتاح

رد على تراهات النظام العسكري الجزائري: المغرب في صحرائه والصحراء في مغربها

أطلق النظام العسكري الجزائري الأبواق الإعلامية و السياسة إلى تسويق الأوهام وإنتاج سيناريوهات خيالية حول قضية الصحراء المغربية، في محاولة يائسة للتشويش على الحقائق السياسية والشرعية والقانونية التي رسخها المغرب بثبات، وعلى رأسها الاعتراف الأمريكي بسيادة المملكة على أقاليمها الجنوبية، واستمرار الدعم الدولي المتزايد لمبادرة الحكم الذاتي كحل واقعي وجاد وذي مصداقية.

الحديث عن “مبعوث خاص لدونالد ترامب” يحمل في طياته قدراً من العبث السياسي، “مقترح تقسيم الصحراء و مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية يقوده البوليساريو” لأن منطق السيادة المغربية لا تحدده مزاجات أو أمنيات عابرة، بل تؤطره الشرعية التاريخية، والقرارات الدولية، والمواقف الثابتة لشركاء المغرب الاستراتيجيين، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة، التي كرست موقفها في 2020 وما زالت إدارة بايدن تحافظ عليه.

المغرب اليوم ليس كما كان في الماضي. هو قوة إقليمية صاعدة، بثقل سياسي ودبلوماسي واقتصادي وعسكري، ومؤسسات مستقرة، ونموذج في الأمن والتنمية. والأهم من كل ذلك، أن قوة المغرب الحقيقية تنبع من تلاحم العرش والشعب، ومن الإجماع الوطني حول مغربية الصحراء، الذي لا يقبل المساومة ولا المقايضة.

إن الشعب المغربي بكل فئاته ومكوناته، موحد خلف جلالة الملك محمد السادس، ولن يسمح بالتفريط في شبر واحد من تراب وطنه. ومهما حاولت الجزائر إحياء مشاريع التقسيم والتفرقة، فإنها تصطدم بحائط الصمود المغربي، وبمشروعية التاريخ والجغرافيا والولاء الشعبي الذي يمتد من طنجة إلى الكويرة.

فلتبحث الجزائر عن حلول لأزماتها الداخلية، بدل تصدير فشلها إلى الخارج. أما المغرب، فقد اختار طريق البناء والشرعية، وسيمضي فيه إلى النهاية، بثقة، وعزيمة، وسيادة لا تقبل التجزئة.

مقالات ذات صلة