إقتصادسياسة
أخر الأخبار

بيان الخارجية الجزائرية يكشف عمق الأزمة مع الاتحاد الأوروبي: شراكة مأزومة وغرامات تلوح في الأفق

أصدرت وزارة الشؤون الخارجية الجزائرية، يوم 17 يوليو 2025، بيانا رسميا ردت فيه على قرار المفوضية الأوروبية تفعيل آلية التحكيم المنصوص عليها في اتفاق الشراكة الموقع سنة 2005، بسبب القيود التجارية التي فرضتها الجزائر دون تشاور.

البيان الجزائري، الذي جاء في لهجة دفاعية متوترة، وصف القرار الأوروبي بأنه “أحادي الجانب ومتسرع”، معبرا عن “الدهشة” من الخطوة رغم “استمرار قنوات الحوار”.

لكن القراءة الدقيقة لمضمون البيان وتوقيته تكشف عن حقيقة أخرى: الجزائر دخلت مرحلة تصعيد غير محسوب، بعد أن فرضت قيودا على الواردات شملت مختلف شركائها، بما فيهم دول الاتحاد الأوروبي، في سياق محاولة بائسة لحماية ما تبقى من احتياطات الصرف المتآكلة.

الجزائر تطوق تجارتها… وتغامر بعلاقاتها

منذ أواخر 2024، بدأت الجزائر في فرض قيود واسعة على الواردات، في شكل شروط تقنية ومالية معقدة شملت:

-إلزامية التوطين البنكي المسبق،

-التصديق على “برنامج تقديري” من الوزارات،

-تعهدات قانونية من المؤسسات المستوردة بتحمل المسؤولية.

هذه القيود، التي طُبقت على الواردات القادمة من أوروبا ومن باقي دول العالم، تم تبريرها رسميا بأنها تهدف إلى “تنظيم التجارة وحماية الإنتاج الوطني”. لكن فعليا، جاءت ضمن سياسة تقشف اقتصادية غير معلنة، فرضتها الأزمة المالية المتفاقمة، التي تجلت في تراجع احتياطي العملة الصعبة إلى أقل من 40 مليار دولار.

وبدلا من التنسيق مع الشركاء أو التفاوض على تعديل اتفاق الشراكة، عمدت السلطات الجزائرية إلى فرض هذه القيود من جانب واحد، وهو ما دفع الاتحاد الأوروبي إلى التحرك.

اللجوء للتحكيم: تحذير أخير قبل العقوبات

قرار المفوضية الأوروبية بتفعيل آلية التحكيم ليس قرارا سياسيا انتقاميا كما حاولت الخارجية الجزائرية أن تصوره، بل هو إجراء قانوني مشروع ينص عليه اتفاق الشراكة، يتم تفعيله بعد استنفاد كافة قنوات الحوار.

والأخطر أن هذه المسطرة قد تُفضي، بحسب فصولها القانونية، إلى فرض غرامات بمليارات اليوروهات على الجزائر، إذا ثبت أن القيود الجزائرية تسببت في خسائر مباشرة للمصدرين الأوروبيين.

ووفقا لتقارير دبلوماسية أوروبية، فإن ملفات التعويض جاهزة، مدعومة بوثائق وتقديرات مالية رسمية، ما يضع الاقتصاد الجزائري على حافة خطر مالي جديد، قد يفوق في أثره تقلبات سوق النفط والغاز.

البيان الرسمي: غياب الرؤية وتكرار الخطاب

رغم تعهد البيان بـ”الانفتاح على الحوار”، فإنه لا يقدم أي التزام فعلي بإلغاء القيود أو مراجعة السياسات التجارية. بل لجأ إلى تعابير فضفاضة مثل “مقترحات عملية” دون توضيح فحواها، ولا تقديم جدول زمني ملموس لأي حل.

أزمة بنيوية: عندما لا تحترم الدولة عهودها

في العمق، لا يتعلق الأمر بمجرد خلاف تجاري ظرفي، بل بـأزمة ثقة بنيوية في نظام لا يلتزم بعهوده. فالجزائر، تحت حكم عسكري غير خاضع لمساءلة شعبية أو مؤسساتية، تُدار فيها الملفات الاقتصادية والتجارية بعقلية أمنية مغلقة، لا تسمح بمبدأ التفاوض الندي، ولا تفهم قواعد الاقتصاد المفتوح أو الشراكة المتوازنة.

وحين تُمارس دولة هذا القدر من التناقض تطالب بإعادة التفاوض، ثم تفرض قيودا منفردة، ثم ترفض اللجوء إلى التحكيم فإنها لا تضع نفسها فقط في موقع الضعف، بل في موقع الشريك غير الموثوق به على الساحة الدولية.

حين تدفع الدول ثمن اخطائها

ما يكشفه بيان الخارجية الجزائرية ليس فقط أزمة دبلوماسية مع الاتحاد الأوروبي، بل انعكاس لنظام يفتقد لأدنى مقومات احترام الالتزامات الدولية. نظام لا يؤمن بالمؤسسات، ولا يفي بالعقود، ولا يعترف إلا بسياسة فرض الأمر الواقع.

لكن في الاقتصاد العالمي، حيث تحكم الاتفاقيات وتُحتسب الثقة باليورو والدولار، فإن مثل هذا السلوك يُكلف غاليا.

وإذا ما مضى التحكيم الأوروبي في مساره القانوني الكامل، فإن الجزائر قد تواجه غرامات فلكية، وعزلة اقتصادية، وهروبا للاستثمارات.

فليس من المبالغة القول إن ثمن اخطاء اليوم ستُدفع نقدا، لا فقط سياسيا.

مقالات ذات صلة