تكنولوجياسياسة
أخر الأخبار

تبون والذكاء الاصطناعي: بين الطموح المشروع والمبالغة في تغليط الجزائريين

في حوار تلفزيوني أدلى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بتصريح لافت قال فيه:

“نحن الدولة الوحيدة في إفريقيا وتقريبا في العالم العربي التي لديها مدرسة للذكاء الاصطناعي.”

تصريح أثار اهتماما وجدلا، ليس فقط لأنه يعكس طموح الجزائر في ميدان يُعد من أكثر القطاعات استراتيجية في العالم المعاصر، بل أيضا لأنه يُحيل ضمنا إلى غياب مشاريع مماثلة في دول عربية وإفريقية أخرى، وهو ما يستحق التمحيص والتدقيق.

الجزائر: تجربة وليدة وطموح وطني

لا شك أن إنشاء المدرسة الوطنية العليا للذكاء الاصطناعي في الجزائر عام 2021 يمثل خطوة نوعية ومبكرة نسبيا في السياق الاقليمي، إذ تهدف المؤسسة إلى تكوين نخب علمية متخصصة في خوارزميات التعلم الآلي، الروبوتات، وتحليل البيانات.

وهي مدرسة عمومية ذات طابع وطني، تسعى الجزائر من خلالها إلى كسر التبعية التكنولوجية، والمشاركة في سباق الذكاء الاصطناعي العالمي الذي يُعاد من خلاله رسم توازنات النفوذ والمعرفة.

لكن هل الجزائر فعلا الدولة الوحيدة في إفريقيا والعالم العربي التي تخوض هذا المسار بشكل مؤسساتي مثلما قال تبون؟

مصر: ريادة مبكرة واستراتيجية وطنية

منذ عام 2019، أطلقت مصر أول كلية جامعية للذكاء الاصطناعي ضمن جامعة كفر الشيخ، تلتها كليات مماثلة في جامعات المنوفية، وبنها، والفيوم.

كما أعلنت الحكومة المصرية عن الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي، بالتعاون مع مؤسسات دولية، تشمل محاور التعليم، الاقتصاد، والبنية التحتية الرقمية.

أضف إلى ذلك شراكات بحثية مع كوريا الجنوبية وألمانيا، وأيضا احتضان القاهرة لمؤتمرات إقليمية رفيعة المستوى حول الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية.

المغرب: مبادرة حركة الذكاء الاصطناعي لجامعة محمد السادس متعددة التقنيات 

استثمرت المملكة في الذكاء الاصطناعي والثورة الصناعية الرابعة بشكل استراتيجي وكجزء من مبادرات التحول الرقمي الأوسع نطاقا.

تشكل “مبادرة حركة الذكاء الاصطناعي لجامعة محمد السادس متعددة التقنيات، احدى اهم الاستثمارات في المجال عبر إطلاق برامج بحث وتعليم الذكاء الاصطناعي لتعزيز تنمية المهارات والابتكار في تطبيقات الذكاء الاصطناعي.

يعمل البرنامج المغربي الطموح على دمج الذكاء الاصطناعي بمختلف القطاعات ودفع التحديث الاقتصادي ومعالجةالتحديات في الزراعة والصحة والطاقة.

يعمل المغرب حسب منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية على بناء نظام بيئي صديق للذكاء الاصطناعي يشجع الشراكات مع القطاع الخاص والتعاون الدولي. وتهدف هذه السياسات إلى دعم طموح البلاد لتصبح رائدة إقليمية في مجال الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي.

دول الخليج: من الاستثمار إلى السيادة التكنولوجية

لا يمكن الحديث عن المشهد الاقليمي في منطقة مينا (الشرق الأوسط وشمال افريقيا) دون التوقف عند دول الخليج العربي، التي تحولت من مجرد مستهلك للذكاء الاصطناعي إلى فاعل مؤثر ومستثمر عالمي فيه:

-المملكة العربية السعودية أطلقت في عام 2020 الاستراتيجية الوطنية للبيانات والذكاء الاصطناعي (NSDAI) تحت شعار “الذكاء الاصطناعي أولا”، وتسعى إلى أن تصبح ضمن أفضل 15 دولة عالميا في هذا المجال بحلول 2030.

كما أنشأت هيئة خاصة للذكاء الاصطناعي (SDAIA) وعقدت شراكات ضخمة مع شركات مثل Google وIBM وHuawei.

-الإمارات العربية المتحدة كانت السباقة إلى تعيين وزير دولة للذكاء الاصطناعي عام 2017، وأطلقت برنامجا وطنيا متكاملا يشمل التعليم، الاستثمار، والخدمات الحكومية الذكية.

وتحتضن دبي حاليا جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، وهي أول جامعة في العالم مكرسة حصريا لتدريس الذكاء الاصطناعي على مستوى الدراسات العليا، بشراكة مع باحثين من MIT وStanford.

إفريقيا جنوب الصحراء: تجارب صاعدة بثبات

في القارة الإفريقية، يمكن الإشارة إلى:

-رواندا التي احتضنت “مركز إفريقيا للذكاء الاصطناعي” (AI Africa Center) في كيغالي، بالتعاون مع MIT واليونسكو، وتعتبر من الدول الرائدة في دمج الذكاء الاصطناعي في التعليم والصحة.

-جنوب إفريقيا تقدم برامج أكاديمية متطورة في الذكاء الاصطناعي في جامعات مثل كيب تاون وWits University، ولديها منشورات علمية مرموقة في هذا المجال.

-نيجيريا تحتضن عشرات الشركات الناشئة في مجال الـAI، وبدأت جامعاتها إدراج الذكاء الاصطناعي في المناهج الهندسية والعلوم التطبيقية.

المدرسة لا تصنع وحدها الريادة

رغم أهمية المدرسة الوطنية الجزائرية للذكاء الاصطناعي، فإن الريادة في هذا المجال لا تُقاس فقط بوجود مؤسسة تعليمية واحدة تحمل الاسم، بل تشمل أيضا عناصر متعددة منها:

-عدد الباحثين والمنشورات العلمية.

-حجم الاستثمارات العمومية والخاصة.

-إدماج الذكاء الاصطناعي في الاقتصاد، التعليم، الإدارة والخدمات.

-المشاركة الدولية في مشاريع الذكاء الاصطناعي المفتوحة.

وبالنظر إلى هذه المعايير، فإن العديد من الدول العربية والإفريقية باتت تنافس على هذا الصعيد، وإن تفاوتت من حيث الموارد والنتائج.

طموح مشروع لكن لا بد من الدقة

تصريح الرئيس تبون يعكس طموحا وطنيا مشروعا في مجال استراتيجي، لكنه يتسم بـقدر من المبالغة حين يصور الجزائر على أنها الدولة الوحيدة في القارة أو في العالم العربي التي تمتلك بنية تعليمية في الذكاء الاصطناعي.

الواقع أن المشهد أكثر تنوعا وتنافسا، وأن النجاح في هذا المجال لن يتحقق بالرمزية فقط، بل من خلال تكامل السياسات، واستدامة التمويل، وجرأة الانفتاح على الشراكات الدولية.

فالذكاء الاصطناعي اليوم، ليس فقط أداة علمية، بل معيار جديد لنهضة الأمم، والسباق فيه لا يعترف إلا بلغة الأرقام، والنتائج، والتحول الفعلي في حياة الشعوب.

وعلى الرئيس الجزائري التحلي بالواقعية وعدم مغالطة الجزائريين عبر تصريحات يغلب عليها طابع الخيال والتغليط.

مقالات ذات صلة