ليبيا تمد يد الثقة نحو الجزائر: وزير الخارجية الليبي يعقد اجتماعا لتفعيل منفذ إيسين البري

هي خطوة تعكس حرص الحكومة الليبية على تعزيز الأمن والتنمية في الجنوب، فقد ترأس وزير الخارجية والتعاون الدولي، الدكتور عبدالهادي الحويج، اجتماعا موسعا بمدينة بنغازي خُصص لبحث آليات تفعيل منفذ إيسين البري الحدودي مع الجزائر، ووضع الأسس العملية لتنظيم حركة العبور وضمان الانسيابية الأمنية بين البلدين.
حضر اللقاء عدد من كبار المسؤولين، يتقدمهم التواتي ابزاج، المدير العام للمنفذ، وامبارك عنبي، مدير مكتب المراسم، إلى جانب مديري إدارات الشؤون القنصلية، والمراسم، والتعاون الدولي بوزارة الخارجية، حيث تم الاتفاق على ضرورة رفع الجاهزية اللوجستية والأمنية للمنفذ، مع الدعوة إلى إلغاء القرار رقم (16) لسنة 2012 الصادر عن المؤتمر الوطني العام، والذي صنف بعض المناطق، منها منفذ إيسين، كمناطق عسكرية مغلقة.
خطوة استراتيجية تستحق التقدير
مبادرة وزارة الخارجية الليبية تأتي في توقيت حساس، وتُعد خطوة شجاعة تستحق التقدير، ليس فقط لأنها تعيد الحياة إلى أحد أبرز المنافذ الحدودية في الجنوب، بل لأنها تعكس نية صادقة من الدولة الليبية في مد جسور الثقة مع الجوار الجزائري، انطلاقا من إيمانها بضرورة التعاون الإقليمي وتغليب منطق المصالح المشتركة على خلافات الماضي.
ومن هذا المنطلق، بات من الواجب على السلطة الجزائرية الحاكمة التجاوب بحكمة ومسؤولية مع هذه المبادرة الليبية الواعدة، بما يفتح المجال أمام تعاون ثنائي جديد يخدم مصالح الشعبين الشقيقين، ويعزز الأمن والاستقرار في منطقة الساحل والصحراء.
تصريحات تبون تغير المعادلة
ما يضفي بعدا سياسيا مهما على هذه الخطوة هو تصريح الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في حوار إعلامي حديث، أكد فيه أن الجزائر تقف على مسافة واحدة من جميع الأطراف الليبية، وأنها مستعدة لمساعدة الليبيين إذا طلبوا ذلك، دون فرض أي أجندة أو انحياز. هذا التصريح يُعد بمثابة تحول في الموقف الجزائري ورسالة انفتاح جديدة تجاه مختلف مكونات المشهد الليبي، بما في ذلك الحكومة الليبية المكلفة برئاسة الدكتور أسامة حماد.
زيارة مرتقبة لحفتر قد تعيد رسم العلاقات
وفي هذا السياق، يُنتظر أن تشهد العلاقات الليبية الجزائرية تطورا لافتا خلال الفترة المقبلة، خاصة في ظل حديث متزايد عن زيارة مرتقبة لصدام حفتر، نجل القائد العام للجيش الليبي خليفة حفتر ورئيس اركان القوات البرية، إلى الجزائر، وهي زيارة إن تمت، فستحمل بلا شك دلالات سياسية وعسكرية بالغة الأهمية، وقد تمثل تتويجا لمسار التقارب الجديد، وتأسيسا لحوار مباشر بين المؤسسة العسكرية الليبية والدولة الجزائرية.
هذه الزيارة التي تعكس رغبة واضحة من الطرف الليبي في الانفتاح والتنسيق مع الجارة الغربية، وتوسيع أفق التعاون الأمني واللوجستي.
الجنوب… مفتاح الاستقرار في المنطقة
جنوب ليبيا لم يعد مجرد جغرافيا مهمشة، بل تحول إلى فضاء استراتيجي للربط الإقليمي بين ليبيا والجزائر، بما يحمله من إمكانات اقتصادية وبشرية وأمنية هائلة. وتفعيل منفذ إيسين البري يمثل بداية فعلية لهذا الربط، ويمنح المنطقة فرصة لتكون نقطة التقاء لا صراع، ومنصة تبادل لا عزلة.
إن هذه الخطوة الليبية الجريئة، إذا ما قُوبلت برد جزائري إيجابي، ستكون بمثابة نقطة انطلاق جديدة نحو إعادة تشكيل العلاقات الثنائية على أسس الاحترام المتبادل والتعاون العملي، بما يعزز التكامل الاقليمي ويفتح أبواب الاستقرار في منطقة لا تحتمل مزيدا من التوتر والفرص الضائعة.
بين تصريحات الرئيس تبون المطمئنة، والتحركات الليبية الميدانية والدبلوماسية، ومع قرب زيارة حفتر إلى الجزائر، يبدو أن ليبيا والجزائر تقتربان من لحظة إعادة اكتشاف لبعضهما البعض، في ظل وعي متبادل بضرورة طي صفحة الجمود، والانطلاق نحو شراكة جديدة أكثر واقعية ونجاعة.