كيف نفذت إسرائيل هجومها الصاروخي الجريء على قطر انطلاقا من البحر الأحمر؟

ترجمة مقال لصحيفة ول ستريت جورنال الأمريكية
مقاتلات إسرائيلية أطلقت صواريخ باليستية عبر الفضاء فوق السعودية، والولايات المتحدة لم تُخطر إلا في اللحظات الأخيرة
اختار القادة العسكريون في إسرائيل خطة غير مسبوقة لاستهداف قادة حماس السياسيين في قطر، سمحت لهم بتنفيذ الهجوم بسرعة، وقلصت فرص اعتراض الولايات المتحدة.
العملية، التي جرت يوم الثلاثاء، اعتمدت على طائرات حربية إسرائيلية أطلقت صواريخ بعيدة المدى، مع تجنب الأجواء العربية، ودون اخطار إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حتى اللحظة الأخيرة.
ثماني مقاتلات من طراز F-15 وأربع من طراز F-35 انطلقت نحو البحر الأحمر، على الجهة المقابلة لشبه الجزيرة العربية من قطر. من هناك، أطلقت الطائرات صواريخ باليستية تُطلق من الجو، ارتفعت إلى الفضاء فوق السعودية قبل أن تهبط على الدوحة، وفق ما أكده مسؤولون أمريكيون.
لم تُبلِغ إسرائيل واشنطن إلا قبل دقائق قليلة من الضربة، ومن دون تفاصيل دقيقة عن الهدف. غير أن الأقمار الاصطناعية الأمريكية التي ترصد إشارات الحرارة التقطت مسار الصواريخ، مؤكدة أن الدوحة هي المقصودة. لكن المعلومات وصلت متأخرة جدا ولم تُمكن إدارة ترامب من التدخل.
قال مسؤول رفيع في البنتاغون:
“تم إبلاغنا بشكل متأخر جدا، بحيث لم يكن هناك أي سبيل لإيقاف العملية” واصفا الضربة بأنها “غير متخيلة على الإطلاق”.
البيت الأبيض حاول اللحاق بالحدث:
أُبلغت القيادة المركزية الأمريكية، التي أخطرت رئيس هيئة الأركان المشتركة، الجنرال دان كين، والذي بدوره اتصل بالبيت الأبيض. وأمر ترامب مبعوثه الخاص ستيف ويتكوف بتحذير القطريين، لكن الرسالة وصلت بعد نحو عشر دقائق من سقوط الصواريخ.
في تعليق له على منصة “تروث سوشال”، قال ترامب:
“القصف الأحادي داخل قطر، وهي دولة ذات سيادة وحليف وثيق للولايات المتحدة، لا يخدم أهداف إسرائيل ولا أمريكا”
الهجوم كشف عن القدرات الإسرائيلية البعيدة المدى والدقة العالية لسلاحها الجوي، لكنه في الوقت نفسه أثار غضبا إقليميا واسعا، إذ بدا أن إسرائيل سعت لتجنب تهمة انتهاك الأجواء السعودية عبر إطلاق الصواريخ في الفضاء. الرياض أدانت الضربة لكنها لم تُشر علنا إلى مرور الصواريخ فوق أراضيها.
ورغم ذلك، فشلت الضربة في تحقيق هدفها الأساسي، إذ لم يُقتل قادة حماس السياسيون البارزون مثل خليل الحية وزاهر جبارين، الذين كانوا يناقشون مقترحا أمريكيا لإنهاء الحرب على غزة. غير أن بعضهم أصيب بجروح خطيرة، فيما قُتل عدد من مسؤولي الصف الثاني في الحركة، إلى جانب عنصر من جهاز الأمن القطري.
زيارة لمراسل وول ستريت جورنال إلى موقع الهجوم أظهرت أن الطابق الأوسط من المبنى دُمر بالكامل تقريبا، لكن البناية بقيت قائمة، وهو ما يعكس استخدام رؤوس حربية صغيرة ودقة متناهية.
من نيويورك، هاجم رئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني السلوك الإسرائيلي قائلا:
“إسرائيل، بقيادة متطرفين، تجاوزت كل الحدود والقيود. كيف يمكن أن نستضيف ممثلين إسرائيليين بعد هذا الهجوم؟”.
مجلس الأمن الدولي أدان الضربة، لكن بيانه خلا من أي إشارة مباشرة إلى إسرائيل، بعد مفاوضات انتهت بتوافق جميع الأعضاء الـ15، بما فيهم الولايات المتحدة.
وكانت وثائق استخباراتية أمريكية مسربة عام 2024 قد كشفت امتلاك إسرائيل صواريخ باليستية تُطلق من الجو، من بينها نظاما “الأفق الذهبي” و**“روكس” (ISO2)**، جرى رصدهما في قاعدة حتسريم الجوية في النقب.
الهجوم فجر أزمة بين ترامب ونتنياهو؛ فخلال اتصال هاتفي، عبر ترامب عن غضبه من مفاجأته بالعملية، مؤكداً أنها “خطوة غير حكيمة”، فيما رد نتنياهو بأنه لم يكن أمامه سوى “نافذة زمنية قصيرة” فاستغلها.
ورغم أن الضربة لم توقف محادثات إسرائيل مع حماس، فإنها وجهت ضربة قوية لجهود واشنطن في بناء منظومة دفاع جوي إقليمية تضم إسرائيل ودول الخليج لمواجهة إيران.
يقول الباحث الإسرائيلي أوفر غوترمان:
“الهجوم يعزز صورة إسرائيل كدولة مارقة لا تعبأ بالقوانين الدولية، ويثير مخاوف عميقة لدى الدول العربية من نزعتها الهيمنية”.
وفيما يخطط القادة العرب لعقد اجتماع طارئ في الدوحة لبحث الرد، يبقى أن إسرائيل، بعد هجومها على إيران في يونيو، قد رسخت سمعتها كقوة عسكرية منفلتة تثير القلق في المنطقة والعالم.