سياسة
أخر الأخبار

بين رؤية مغربية بناءة وانسداد جزائري هدام: أي مستقبل لنزاع الصحراء؟!

كشفت Africa Intelligence (16 سبتمبر 2025) عن خيوط تنسيق دبلوماسي متين بين الرباط وباريس بخصوص مستقبل بعثة الأمم المتحدة في الصحراء (المينورسو)، في أفق اجتماع مجلس الأمن المرتقب في أكتوبر المقبل. وحسب التسريبات، فإن الهدف هو الدفع بقرار جديد يُعيد تعريف دور البعثة ويُقرب أكثر من مقترح الحكم الذاتي الذي يطرحه المغرب منذ سنة 2007. هذا المعطى ليس تفصيلا عابرا، بل يعكس دينامية دبلوماسية مغربية متصاعدة، مقابل عجز جزائري مطبق يُبدد فرص السلام في المنطقة.

المغرب ولغة الحلول الواقعية

منذ سنوات، تبنى المغرب استراتيجية واضحة: الخروج من دائرة الشعارات الفضفاضة والرهان على مقترحات عملية قابلة للتنفيذ. فمقترح الحكم الذاتي، الذي وُصف مرارا داخل الأمم المتحدة بأنه “جدي وذي مصداقية”، أضحى اليوم يحظى بدعم واسع من قوى وازنة، على رأسها الولايات المتحدة وفرنسا. هذه الأخيرة، بحسب المجلة، تتولى الجانب “التقني”، عبر بلورة صيغة أكثر دقة لمشروع الحكم الذاتي، في حين تؤكد واشنطن أن “الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هو الحل الوحيد الممكن”.

بهذا المنطق، أصبح المغرب يتحدث بلغة المستقبل، لغة الاستثمار والتنمية والاستقرار، وليس لغة الصراع المفتوح الذي لم يجلب للمنطقة سوى الخسائر.

الجزائر ورهانات الإعاقة

في المقابل، يواصل النظام الجزائري الارتهان لخطاب متجاوز، يتمحور حول “استفتاء تقرير المصير” الذي استحال تنفيذه ميدانيا منذ عقود. بدل التفكير في حلول خلاقة، يُصر هذا النظام على إعادة إنتاج نفس الأسطوانة، غير عابئ بالتحولات الإقليمية والدولية. الأدهى أن Africa Intelligence أكدت أن باريس لم تعد قادرة على إقناع الجزائر بأي تغيير في موقفها، ما يعكس انغلاقا مطلقا وعجزا عن مواكبة السياق.

العلاقات الجزائرية الفرنسية، التي وصفتها المجلة بأنها في “أدنى مستوياتها”، دليل إضافي على عزلة دبلوماسية خانقة. لقد أضاع النظام الجزائري، مرة أخرى، فرصة ليكون فاعلا في صناعة الحل، واكتفى بدور “المعطِل الذي يعاند من أجل المعاندة فقط.

مكاسب السلام مقابل خطاب الأزمات

المغرب لا يكتفي بتقديم مبادرات دبلوماسية، بل يترجم رؤيته على أرض الواقع: استثمارات ضخمة في الأقاليم الجنوبية، مشاريع بنى تحتية رائدة، وانخراط فعلي للسكان الصحراويين في المؤسسات الوطنية. هذه الإنجازات تُشكل الرد العملي على دعايات خصوم الوحدة الترابية.

في المقابل، لا يمتلك النظام الجزائري أي رصيد عملي. كل ما يقدمه هو دعم غير مشروط لجبهة البوليساريو، بما يعنيه ذلك من إدامة وضعية التوتر وإضاعة موارد كان الأجدر توجيهها للتنمية الداخلية. لقد أصبح واضحا أن الجزائر، في سلوكها، لا تدافع عن “حق تقرير المصير”، بل عن مصالح نظام يبحث عن إطالة عمره عبر تصدير الأزمات.

المينورسو المترنحة بين الجمود والتجديد

منذ إنشائها سنة 1991، تحولت المينورسو إلى شاهد على جمود طويل الأمد. اليوم، بفضل الحركية المغربية الفرنسية المدعومة أمريكيا، هناك محاولة حقيقية لإعادة تعريف ولاية هذه البعثة، ليس كأداة لتسيير الوضع الراهن، بل كرافعة لدعم حل سياسي عملي.

وإذا كانت باريس تشجع الرباط على القيام بخطوات إنسانية رمزية، مثل الإفراج عن بعض المعتقلين، فإن الرسالة الأساسية تظل واضحة: الحل السياسي لا يمكن أن يتأسس إلا على قاعدة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، وكل ما عداه مجرد مضيعة للوقت.

ازدواجية خطاب النظام الجزائري

ما يفضح أكثر إفلاس الرؤية الجزائرية هو خطابها المزدوج: فهي تزعم الدفاع عن “حقوق الشعوب” في حين أنها تسجن معارضيها، وتحتكر السلطة، وتُغلق المجال السياسي والإعلامي. كيف يمكن لنظام يفتقد لأبسط معايير الشرعية الداخلية أن ينصب نفسه مدافعا عن تقرير مصير شعب آخر؟ إنها مفارقة تكشف عمق أزمة الشرعية التي يتخبط فيها الحكم في الجزائر.

منطق البناء في مواجهة منطق الهدم

المغرب يفتح أبواب السلام، ويطرح مشروعا يحظى بدعم القوى الكبرى ويستجيب لضرورات الاستقرار والتنمية. في المقابل، يواصل النظام الجزائري لعبة الهروب إلى الأمام، رافضا أي تسوية لا تتوافق مع أوهامه.

المرحلة المقبلة ستكون اختبارا حقيقيا: إما أن ينخرط الجميع في منطق الحلول الواقعية، أو أن تظل المنطقة أسيرة رهانات عقيمة يفرضها نظام جزائري يصر على تبديد فرص السلام.

إن التاريخ لا يرحم، والحقائق على الأرض باتت أقوى من الشعارات. الصحراء جزء من المغرب، والحكم الذاتي هو الحل. أما النظام الجزائري، فسيُسجل عليه أنه أضاع مرة أخرى فرصة تاريخية لصناعة الاستقرار في المنطقة.

مقالات ذات صلة