سياسة
أخر الأخبار

نفاق الخطاب السياسي: الجزائر بين مهاجمة مصر واستقبال مهندسي كامب ديفيد

في مطلع نوفمبر 1979، نشرت صحيفة نيويورك تايمز تقريرا بارزا عن زيارة زبغنيو برژينسكي، مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر، إلى الجزائر والذي تمت دعوته لحضور احتفالات ذكرى اندلاع الثورة اول نوفمبر.

ومن بين الوفود المشاركة في الاحتفالات التي تمت دعوتها آنذاك:

-الجنرال فو نغوين جياب، بطل انتصار فيتنام،

-معمر القذافي من ليبيا

-ممثلون عن عدد من الحركات الثورية والنزاعات المسلحة في العالم بما فيها البوليساريو

كما حضر رئيس الوزراء الإيراني مهدي بازركان، وياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، وجورج حبش.

Le colonel libyen Mouammar Kadhafi et Chadli Bendjedid, président de la République algérienne, le 1 novembre 1979. (Photo by Daniel SIMON/Gamma-Rapho via Getty Images)

النظام الجزائري لم يتردد في دعوة أحد أبرز صانعي اتفاقية كامب ديفيد للسلام مع إسرائيل للاحتفال بالذكرى الخامسة والعشرون للثورة في حين لم تتم دعوة مصر لأنهم قطعوا العلاقات معها بسبب ذات الاتفاقية رغم أنها دعمت الثورة التحريرية.

كم هي مفارقة تظهر الازدواجية والتناقض الصارخ لدى النظام الجزائري الذي شكل إلى جانب كل من سوريا والعراق واليمن وليبيا جبهة سميت بالصمود والتصدي للوقوف ضد اتفاقية كامب ديفيد

وقد أوضحت الصحيفة الامريكية أن الغرض من زيارة المسؤول الأمريكي كان مزدوجا:

1.طمأنة الجزائر بأن الولايات المتحدة لا تنوي التورط عسكريا في نزاع الصحراء مع المغرب.

2.فتح آفاق تعاون اقتصادي وتجاري بين الجزائر وواشنطن.

الصحيفة ذكرت أن برژينسكي، الذي لعب دورا رئيسيا في إدارة البيت الأبيض خلال مفاوضات كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل التقى كبار المسؤولين الجزائريين، وفي مقدمتهم الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد.

في المقابل، كان النظام الجزائري آنذاك يقود حملة إعلامية شرسة ضد مصر، واصفا اتفاقية السلام التي وقعها أنور السادات مع إسرائيل بالخيانة للقضية الفلسطينية. بل إن الجزائر ساهمت في قرار تعليق عضوية مصر في جامعة الدول العربية، متبنية خطابا “مبدئيا” يرفض أي شكل من أشكال التطبيع.

لكن الوقائع التي أوردتها الصحيفة الأمريكية تفضح ازدواجية واضحة: النظام الجزائري نفسه الذي هاجم القاهرة علنا ورفع شعارات “الممانعة”، استقبل برژينسكي بحرارة، وهو الرجل الذي أشرف على مفاوضات السلام المصرية ـ الإسرائيلية، الاتفاقية التي بموجبها استعادت مصر سيناء.

Menahem Begin and Zbigniew Brzezinski play chess during the Camp David Summit. ca. 09/09/1978. (Photo by: Hum Images/Universal Images Group via Getty Images)
Photograph of Israeli Prime Minister Menachem Begin (1913-1992) and United States National Security Advisor Zbigniew Brzezinski (1928 – ) playing chess at Camp David. Dated 1978. (Photo by: Photo12/Universal Images Group via Getty Images)

هذا التناقض بين الخطاب الإعلامي والممارسة الدبلوماسية ليس حالة عرضية. فالجزائر كانت تسعى آنذاك إلى تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع الغرب، وتحديدا الولايات المتحدة، لكنها في الوقت نفسه احتاجت إلى خطاب قومي راديكالي لتعزيز شرعيتها الداخلية والعربية.

اليوم، يعيد النظام الجزائري إنتاج الخطاب ذاته: يهاجم مصر إعلاميا ويتهمها بالتقصير في غزة، بل ويحملها مسؤولية عدم الدخول في حرب مع إسرائيل، متجاهلا أن القاهرة تستند إلى اتفاقية السلام التي استرجعت بها أرضها كاملة، في حين أن الجزائر نفسها لطالما سعت إلى كسب ود العواصم الغربية في الكواليس، حتى في أوج خطابها “الثوري”.

الدرس الأوضح من مقال نيويورك تايمز عام 1979 هو أن النظام الجزائري بنى سمعته على المزايدة الإعلامية، لكنه في الواقع لم يتردد في استقبال أبرز صانعي اتفاقية السلام مع إسرائيل، وهو ما يكشف أن المبدئية المعلنة ليست سوى ورقة للاستهلاك المحلي والعربي.

النظام الجزائري يتقن اللعب بين “الإيديولوجيا الإعلامية” و”البراغماتية الدبلوماسية”، وهذا ما يجعل فهم سياساته الخارجية معقدا لكنه ليس مفاجئا.

مقالات ذات صلة