تاريخ وأرشيفسياسة
أخر الأخبار

نيويورك تايمز” توثق معركة العركوب سنة 1958 بواد الذهب: دليل تاريخي دامغ على الكفاح المغربي لتحرير الصحراء قبل المسيرة الخضراء

الأرشيف الأمريكي يفند أكاذيب البوليساريو والنظام الجزائري ويؤكد مغربية الأرض

في عددها الصادر يوم الأربعاء 15 يناير 1958، نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية تقريرا تاريخيا بالغ الأهمية، سلط الضوء على واحدة من أبرز المعارك التي خاضها جيش التحرير المغربي ضد الاستعمار الإسباني في أقصى الجنوب المغربي، وتحديدا في منطقة العرگوب بريو دي أورو (واد الذهب)، التابعة حاليا لجهة الداخلة وادي الذهب.

التقرير نقل، استنادا إلى بيان رسمي صادر عن “جيش تحرير الصحراء المغربية” كما اشارت حرفيا الصحيفة الامريكية، أن القوات المغربية خاضت معركة ضارية ضد الجيش الإسباني، أسفرت عن حصيلة ثقيلة جدا تمثلت في مقتل 160 جنديا إسبانيا وإصابة 190 آخرين، في مواجهة استمرت سبع ساعات قرب الداخلة، استُخدمت فيها الشاحنات والطائرات والأسلحة الرشاشة.

Screenshot

هذا التوثيق الدولي المرموق يشكل دليلا قاطعا على أن المغاربة خاضوا الكفاح المسلح لتحرير صحرائهم من الاستعمار الإسباني قبل ما يقارب ثلاثة عقود من تنظيم المسيرة الخضراء سنة 1975.

أظهرت معركة العرگوب بوضوح أن المقاومة المغربية امتدت إلى عمق الصحراء فور استقلال المغرب سنة 1956، ضمن رؤية وطنية لتحرير كل التراب المغربي من الاحتلال.

Screenshot

وجدير بالذكر أن هذه المعركة تزامنت زمنيا مع “معركة الدشيرة” الشهيرة شمال العيون في منطقة الساقية الحمراء، التي خاضها جيش التحرير المغربي في نفس الفترة، وإن لم تذكرها الصحيفة الأمريكية في تقريرها. هذه الإشارة تكتسي أهمية تاريخية لأنها تؤكد أن التحركات العسكرية المغربية كانت تشمل جبهات متعددة داخل الصحراء في أواخر الخمسينيات.

الأرشيف الأمريكي يفند السرديات الزائفة

إن ما ورد في أرشيف نيويورك تايمز ليس مجرد خبر عابر؛ بل هو وثيقة تاريخية مستقلة صادرة عن مصدر دولي محايد، وثق وقائع ميدانية كما حدثت سنة 1958.

هذه الوثيقة تفند بشكل كامل الادعاءات والأكاذيب التي تروجها جبهة البوليساريو والنظام الجزائري، والتي تحاول نفي أن المغرب خاض مقاومة مسلحة لتحرير صحرائه قبل المسيرة الخضراء.

فالرواية الانفصالية تصور القضية وكأنها نزاع “مفاجئ” ظهر منتصف السبعينات، بينما تؤكد الصحيفة الأمريكية أن الجيش المغربي والمقاومين خاضوا معارك حقيقية ضد الاحتلال الإسباني في الصحراء قبل ظهور البوليساريو بسنوات طويلة.

التحالف الاستعماري ضد المقاومة المغربية

انتصارات المقاومة المغربية في الصحراء دفعت فرنسا وإسبانيا إلى الرد عسكريا، فشنتا في فبراير 1958 عملية “إيكوفيون” (Écouvillon) المشتركة، وهي حملة عسكرية كبرى ضد جيش التحرير المغربي في الصحراء.

جاء هذا التحالف العسكري الاستعماري بعد أسابيع قليلة من معركة العرگوب، ما يعكس حجم الخطر الذي مثلته المقاومة المغربية على الوجود الاستعماري في المنطقة.

من الكفاح المسلح إلى النضال الدبلوماسي

رغم ضراوة المواجهات، اختار المغرب التحول إلى المعركة السياسية والدبلوماسية مع الحفاظ على مطالبه الوطنية الثابتة.

ولو ان العمل الدبلوماسي ابتدأ فعليا منذ عام 1957، فقد لجأ المغرب إلى أروقة الأمم المتحدة للمطالبة باسترجاع الصحراء، مدعوما بحجج تاريخية وقانونية متينة.

وفي سنة 1969، اتخذ المغرب خطوة استراتيجية بالاعتراف بموريتانيا كدولة مستقلة، ما فتح الباب أمام تنسيق مغربي موريتاني في المعركة التفاوضية ضد الاستعمار الإسباني، تمهيدا لاسترجاع الصحراء بطريقة سلمية.

المسيرة الخضراء… تتويج لمسار نضالي طويل

لم تكن المسيرة الخضراء في نوفمبر 1975 حدثا معزولا أو مفاجئا، بل كانت الذروة السياسية والدبلوماسية لمسار بدأ بالكفاح المسلح في ربوع الصحراء، ومر عبر المعارك القانونية في الأمم المتحدة، وانتهى باسترجاع الأرض بطريقة سلمية أبهرت العالم.

لقد جسد 350 ألف مغربي غير مسلحين إرادة أمة موحدة، حاملين القرآن والعَلم الوطني المغربي، لإعلان حق تاريخي غير قابل للمصادرة.

إن العودة إلى أرشيف “نيويورك تايمز” لسنة 1958 ليست مجرد قراءة في الماضي، بل هي تفنيد موثق للأكاذيب.

فهذا الأرشيف يبرهن أن المغاربة خاضوا معارك حقيقية لتحرير صحرائهم قبل ظهور النزاع المفتعل من قبل النظام الجزائري، وأن القضية لم تكن أبدا اختراعا سياسيا متأخرا، بل استمرارا طبيعيا لمسار استكمال التحرر الوطني بعد الاستقلال .

هذه الحقيقة التاريخية، الموثقة بمصدر أمريكي مرموق، تُسقط رواية البوليساريو والنظام الجزائري، وتعيد التأكيد على أن الصحراء جزء لا يتجزأ من المملكة المغربية، دافع عنها المغاربة بالسلاح، ثم بالدبلوماسية، ثم بالمسيرة الخضراء التي خلدها التاريخ.

الأرشيف شاهد لا يُشترى والتاريخ لا يمكن تزويره

مقالات ذات صلة